على الرغم من رغبة إدارة ترامب في نقل تصنيع هواتف “آيفون” إلى الولايات المتحدة، فإن تحقيق هذا الهدف يصطدم بتعقيدات اقتصادية وتقنية عميقة. تجربة شركة “موتورولا” السابقة، التي أغلقت مصنعها في تكساس بعد عام واحد فقط بسبب التكاليف العالية وضعف المبيعات، توضح صعوبة تصنيع الهواتف الذكية في أميركا، وهو ما يسلّط الضوء على التحدّيات الجوهرية التي تواجه أيّ محاولة مماثلة.
لم تعد الصين مجرّد وجهة لتقليل تكاليف العمالة، بل أصبحت مركزاً عالمياً يتمتع بسرعة التنفيذ، والمرونة، والبنية التحتية المتطورة، وشبكات توريد معقّدة، بُنيت على مدار عقود. سلسلة توريد “أبل”، التي تشمل 187 مورّداً في 28 دولة، تعتمد على شبكة مترابطة، حيث تُنتج المكونات الدقيقة في بلدان مثل تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، ثم تُجمع في الصين حيث تتوافر الخبرة والقدرة التصنيعية على نطاق ضخم. الصين اليوم توفر بيئة تصنيع متكاملة، بفضل تجمعات المورّدين القريبة والقدرة على التكيف السريع مع التغيرات في التصميم والإنتاج.
أقلّ من 5% من مكونات الآيفون تُصنع حالياً في الولايات المتحدة، مثل الغلاف الزجاجي والرقائق الأساسية، بينما يتمّ تصنيع الجزء الأكبر في الصين ودول آسيوية أخرى. نقل التصنيع إلى أميركا سيستلزم سنوات من الاستثمارات الضخمة في الأتمتة، البنية التحتية، وتدريب آلاف المهندسين المهرة؛ وهي متطلّبات يصعب تحقيقها في أفق زمنيّ قصير، كما أن مصانع مثل “فوكسكون”، التي تنتج أكثر من 50% من أجهزة “آيفون” العالمية، تعتمد على شبكات محلية من آلاف الموردين الصغار الذين سيكون من الصعب إعادة توطينهم جميعًا في الولايات المتحدة.
تعقيدات نقل تصنيع الآيفون من الصين إلى الولايات المتحدة
تعقيدات نقل تصنيع الآيفون من الصين إلى الولايات المتحدة
بنية الإنتاج المعقدة، مثل تصنيع هياكل الآيفون من الألمنيوم باستخدام آلات CNC المتخصصة، وتوريد البراغي الدقيقة، بالإضافة إلى الاعتماد على معادن نادرة تنتجها الصين مثل اللانثانوم والديسبروسيوم، يجعل نقل الإنتاج عملية شبه مستحيلة في الأمد القصير. كذلك، فإن شركة TSMC، وهي المزوّد الرئيسي لمعالجات آبل، تعتمد بشكل رئيسيّ على منشآت موجودة في تايوان وكوريا. ورغم بدء إنشاء مصنع في أريزونا، فإن الإنتاج بكميات كبيرة ما يزال بعيداً.
“أبل” بدأت بالفعل بتنويع سلاسل توريدها، مع نقل جزء من الإنتاج إلى الهند، التي توفر حوافز حكومية، تكاليف منخفضة، وسوقاً استهلاكية كبيرة. تشير التقديرات إلى أن نحو 20% من إنتاج الآيفون العالمي سيتمّ تجميعه في الهند هذا العام، مع توقّع نقل تجميع جميع أجهزة الآيفون المخصصة للسوق الأميركية إلى الهند قريباً. ورغم ذلك، فإن العديد من المكونات لا تزال تُستورد من الصين والدول الآسيوية الأخرى، مما يعكس الصعوبة في بناء منظومة إنتاج مكتفية ذاتياً.
في ظل النزاعات التجارية، تواصل “أبل” استراتيجيتها في توزيع المخاطر عبر التوسّع إلى دول أخرى مثل فيتنام والبرازيل. لكن إعادة بناء منظومة التصنيع خارج الصين بالكامل، سواء في أميركا أم في غيرها، ستتطلب وقتاً طويلاً واستثمارات ضخمة وتغييرات جذرية في سلاسل التوريد العالمية.
بالتالي، فإن نقل تصنيع الآيفون إلى الولايات المتحدة، رغم كونه هدفاً سياسياً مرغوباً، يظل غير عملي في المستقبل المنظور بسبب تعقيدات سلسلة الإمداد، التكاليف العالية، والاعتماد العميق على القدرات التصنيعية والبنية الصناعية المتطورة في الصين وآسيا.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار