علي عبود
لاتزال الخصخصة عنوانا طاغيا في الدول العربية، وقد أطلت مؤخرا برأسها “الخبيث ” في لبنان!
ويبدو ان الحكومة الجديدة تتجه لخصخصة ماتبقّى لدى الدولة من قطاعات إقتصادية خدمية لتأمين بضعة مليارات ضرورية لإخراج لبنان من أزماته المالية والنقدية والتنموية، بالإضافة إلى استئناف المساعي لاستجرار قرض من صندوق النقد الدولي بشروط يؤكد الخبراء بأنها ستضع لبنان في قبضة المنظمات الدولية “أيّ أمريكا” إلى أمد بعيد جدا!
ومن الملفت، إن مامن حكومة لبنانية أجابت على سؤال بدهي جدا: ماذا استفاد البلد من الخصخصة ومن القروض الخارجية؟
ولعل السؤال الأكثر أهمية: ماذا حصدت الدول الأخرى في المنطقة من خصخصة قطاعاتها؟
أمامنا عدة تجارب للخصخصة أبرزها المصرية والتركية، وتشير المؤشرات الرقمية في البلدين أنهما يعانيان من التضخم والإنكماش وعجز كبير في تسديد القروض الخارجية التي استجروها خلال حقبة الخصخصة وما بعد الخصخصة!
ففي مصر تسعى الحكومة منذ عامين لاستجرار قروض جديدة من الصندوق الدولي من جهة، وبيع قطاعات حكومية جديدة من جهة أخرى سواء لسد العجز في القطع الأجنبي اللازم للمستوردات أو لسداد فوائد الديون “وليس أقساطها فقط ”!
ولا يختلف الوضع كثيرا في تركيا، فعلى الرغم من الإزدهار والإنتعاش الاقتصادي ونمو الصادرات فإن حكومتها تعاني أيضا من تزايد دينها الخارجي والداخلي، وتسعى على مدار العام لاستجرار قروض جديدة لتسديد أقساطها، وحسب التعبير الساخر لخبير تركي: لم يبق لدى الحكومة لتبيعه سوى الغابات!!
قطعا، الخصخصة ليست شرا، لكنها لاتناسب الدول النامية والمتخلفة ، فحتى اقتصاد تركيا وهو الأقوى في المنطقة بات في قبضة “الأمريكان”، وهو يشهد أزمات مفاجئة في كل مرة ترفض فيه الحكومة التركية التوجيهات الأمريكية!
ويؤكد الخبراء إن أمريكا تشجع كل الدول على استجرار القروض لإغراقها في الديون، كي تتحكم في سياساتها، كما تشهر سيف العقوبات عليها حين تفكر في “التمرد” وهو سيف تستخدمه أيضا على حلفائها الأطلسيين!
ومع إن بعض الدول لديه ثروات “كالنفط والغاز” تتيح لها بعد استثمارها سداد ديونها وإطلاق عملية نمو واسعة، فإن أمريكا تمنعها من الإستفادة منها، كما هو حاصل في لبنان، أو تمنع قدوم الإستثمارات الأجنبية والخليجية إليها كما هو الحال في مصر، بل يكفي أن تهدد أمريكا أي بلد بمنع الإستثمارات والقروض والمساعدات كي تفجر فيه أزمات مالية ونقدية في حال قرر تبني سياسات معارضة لـ “إسرائيل” كما هو الحال مع الأردن ومصر وتركيا..الخ.
نعم، كل من سار على طريق الخصخصة اكتشف سريعا انه سلك مسارا يفرض عليه المزيد من الخصخصة والمزيد من القروض، واللهاث وراء المساعدات الهزيلة من الأمريكان، ومع أن الأصوات في كل البلدان النامية ومتوسطة النمو ترتفع عاليا : أحذروا من الخصخة.. فإن مامن حكومة أجابت على السؤال: ماذا استفادت الدول القريبة مني من الخصخصة؟
الخلاصة: حبّذا لو تقف الحكومات اللاهثة وراء الخصخة مطولا أمام قرار الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن الذي رفض بيع واحدة من أكبر شركات صناعة الصلب الأمريكية (يو إس ستيل) لليابان، لأنه اعتبر الأمر مساسا بالأمن القومي رغم أن اليابان أهم حليف لأمريكا في منطقة المحيط الهادي، في الوقت الذي تضغط فيه أمريكا “عبر الصناديق الدولية” لبيع قطاعاتها الاقتصادية والمالية والخدمية، وتشجعها على استجرار القروض لاحقا بعد أن تبيع كل شيئ كي إلى إلعوبة بيديها إلى الأبد!
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)