يحيى دبوق
يواصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جولته في المنطقة، والتي ابتدأها من السعودية، واستبعد منها إسرائيل، ما يعكس بوضوح حجم التوتر والتباين القائميْن بين واشنطن وتل أبيب حيال أهداف الجولة ومقوّمات نجاحها. وتكتسب هذه الزيارة أهمية بالغة، نظراً إلى الطموحات الاستراتيجية والاقتصادية التي يسعى ترامب لتحقيقها من خلالها، وعلى رأسها تعزيز التحالفات مع الدول الخليجية واستقطاب استثمارات ضخمة تدعم الاقتصاد الأميركي.
غير أنّ تعقيدات البيئة الإقليمية، المليئة بالصراعات والانقسامات، حتى بين الحلفاء، تُضعف من فرص إنجاح هذه الأهداف، وخصوصاً في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة، والتصعيد المتواصل مع إيران، على رغم التزام الطرفين مؤقّتاً بسقوف دبلوماسية لا تزال نتائجها في طور التبلور.
ويسعى ترامب، من خلال هذه الجولة، لإعادة صياغة أولويات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بدفع الدول الخليجية إلى ضخّ استثمارات مباشرة في الداخل الأميركي، وفي الوقت نفسه إطفاء نيران الحرب في غزة، والتي تعيق أي إمكانية لتحقيق الاستقرار الإقليمي اللازم لإنجاح هذه المبادرات. لكنّ التساؤل المطروح هو: هل يملك ترامب الأدوات الكافية لفعل ذلك؟ وهل سيفلح في استخدام مزيج من الترهيب والترغيب لإقناع الحلفاء والخصوم في آن بما يريده؟
لا يقتصر التحدّي هنا على إبرام صفقات أو إصدار مواقف موجّهة بعناية إلى الأذن العربية في الرياض وأبو ظبي والدوحة، بل يكمن في القدرة على تحويل تلك المواقف إلى خطوات ملموسة توقف الحرب، وتعبّد الطريق لحلول سياسية قابلة للاستمرار. ففي ظلّ الانقسام المتزايد بين الحلفاء الإقليميين، واستمرار التهديد الإيراني الذي لا يُتوقّع له التراجع، تزداد المخاوف من أن تتحول هذه الزيارة إلى نسخة جديدة من زيارة ترامب للسعودية عام 2017، حين وُعد بالكثير ونُفّذ القليل، فيما بقيت غالبية الاتفاقات حبراً على ورق.
العبرة الحقيقية ليست في ما يحدث خلال الزيارة، بل في ما يليها
وعليه، فإن نجاح هذه الجولة لن يُقاس بما يُقال فيها، بل بما سيُنجز بعدها؛ أي إن المرحلة المقبلة ستشكّل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة الإدارة الأميركية، وترامب تحديداً، على تنفيذ وعوده، وتصحيح مسار سنوات من السياسات الأميركية المرتبكة في الشرق الأوسط. وإذا كانت قمة الرياض تُعدّ نقطة انطلاق مثالية للرئيس الأميركي، فهي بالتأكيد ليست محطة الوصول؛ بل إن تأثير جولته سيُقاس بحجم ارتداداتها على عواصم إقليمية مؤثّرة لم يشملها جدول أعماله، مثل تل أبيب وطهران وأنقرة، التي تُعد كلٌّ منها مفتاحاً أساسياً في معادلات الاستقرار أو الفوضى الإقليمية.
من جهة أخرى، فإن استبعاد إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو عن محطات الجولة، لم يكن تفصيلاً عارضاً، بل جاء نتيجة إخفاق أميركي في إلزام تل أبيب بأي تنازلات تسهّل تنفيذ الرؤية الأميركية. غير أنّ هذا الغياب لا يعني انتفاء دور الكيان، الذي يظلّ فاعلاً محورياً لا يمكن إقصاؤه من أي تسوية سياسية مقبلة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى طهران، التي تحتفظ بالقدرة على عرقلة أو تسهيل أي خطة أميركية لإعادة ترتيب الإقليم، ما يجعل من الضروري أن تجد واشنطن تسويات تُرضيها أو تُجبرها على التماشي مع توجهاتها، وخصوصاً في ما يخصّ البرنامج النووي ومساحات النفوذ الإقليمي.
في المقابل، يتطلّب خفض التوتر بين إيران وإسرائيل جهداً دؤوباً من الولايات المتحدة، باعتبار أن هذا الصراع لا يهدّد فقط بإجهاض الترتيبات المرتقبة، بل قد يُشكّل عاملاً جديداً للفوضى، على رغم ما يُقال عن تطابق الأهداف الأميركية والإسرائيلية في مواجهة إيران. وفي حال فشل ترامب، في الأيام التالية للزيارة، في تقديم حلول ملموسة للتحديات الكبرى التي تواجه الإقليم، فإن الزخم الذي رافق جولته لن يلبث أن يتبدّد، وستُدرج زيارته هذه، كما سابقتها عام 2017، في خانة الجولات الدبلوماسية ذات الطابع الاحتفالي والنتائج المحدودة.
وبمعزل عن الثقة المفرطة التي يظهرها ترامب، وإيمانه بقدرته على فرض إرادته على مختلف الأطراف، فإن النجاح في هذا الإقليم يتطلّب أدوات مدروسة، واستراتيجيات دقيقة، وليس فقط تصريحات مدوّية وضغوطاً سياسية متقطّعة، خصوصاً أن المشهد المعقّد الذي يواجهه الرئيس الأميركي ليس نتيجة خصومة مع الأعداء فحسب، بل أيضاً نتيجة تباينات متزايدة مع الحلفاء، ما يحدّ من قدرته على الإملاء أو الفرض.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار