تلقّت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا بترحيب، رافقه قلقٌ مكتوم يتصاعد لدى الأطراف السياسية في شمال شرق سوريا، من مغبّة أن تستثمر الإدارة السورية الجديدة الانفتاح العربي والغربي الطارئ عليها، لـ«الاستفراد» بالداخل، من دون تقديم أي ضمانات أو إشارات تطمئن مكوّنات المجتمع، وخصوصاً بعد المجازر التي شهدها الساحل، وما تلاها من أحداث دامية في جرمانا وصحنايا والسويداء.
وعبّر قائد «قسد»، مظلوم عبدي، عن تقديره للقرار الأميركي، قائلاً عبر تغريدة على منصة «إكس»: «نشكر رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب على قرار وقف العقوبات المفروضة على سوريا، لما له من أثر إيجابي على البلاد»، آملاً أن «تُستثمر هذه الخطوة في دعم الاستقرار وإعادة البناء، بما يضمن مستقبلاً أفضل لكل السوريين»، مضيفاً أن «سوريا تستحق الأفضل دائماً».
لكن من خلف عبارات الترحيب، تفاجأت «قسد» بتصريحات الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي قالت إن «ترامب دعا الشرع إلى تحمّل المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر «داعش» في شمال شرق سوريا»، وهو ما يعني ضمنياً تسليم «قسد» تلك السجون للسلطات الجديدة، الأمر الذي يتناقض مع التفاهمات السابقة بين واشنطن و«الإدارة الذاتية»، والتي تضمنت إبقاء هذا الملف بيد الأخيرة، على اعتبار أنها تمتلك قوات مدرّبة ومجهّزة للتعامل مع مسألة شديد الخطورة.
وقرأت «قسد» في ذلك الموقف تحوّلاً في سياسة الولايات المتحدة حيال سوريا، يواكب اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، ويمنح دمشق دفعة معنوية غير مسبوقة. وترجّح أوساط كردية أن تسعى دمشق، في ظل هذه الدينامية الجديدة، لدفع «قسد» إلى تسليم سلاحها والاندماج في الدولة، من دون تقديم أي امتيازات تُذكر لها.
تتعالى التحذيرات من استغلال دمشق للدعم العربي والغربي للتضييق على مناطق لا تزال خارج سيطرتها
وعليه، تتعالى أصوات تحذّر من استغلال دمشق للدعم العربي والغربي للتضييق على مناطق لا تزال خارج سيطرتها، كما هو الحال في معاقل «قسد» في شمال شرق سوريا، والسويداء في الجنوب. ويخشى هؤلاء من أن يدفع قرار رفع العقوبات، بسلطات الشرع، إلى الاستئثار بالقرار الداخلي، ومحاولة الهيمنة على مفاصل الدولة، من دون منح أي فرصة للشراكة مع بقية المكوّنات.
لكنْ في المقابل، ثمّة تيار كردي آخر يرى في هذه المتغيرات فرصة لا تهديداً، إذ يعتقد أصحاب هذا الرأي بأن «قسد» قادرة، بحكم علاقاتها الممتدة مع واشنطن وباريس والغرب، على وضع مطالبها ضمن سلة الضغوط الأميركية على حكومة الشرع، لدفعها نحو التخلّي عن تعيينات اللون الواحد المتّبعة منذ سقوط نظام الأسد، وإشراك كل مكوّنات المجتمع في إدارة البلاد. كذلك، يأمل أصحاب الرأي المتقدّم أن ينتج الضغط الغربي، وقفاً للانتهاكات بحق الأقليات، والتوجه إلى إشراك هذه الأخيرة في إعادة صياغة الإعلان الدستوري، وأيضاً في البرلمان المُزمع تشكيله في الأيام القليلة القادمة.
وفي هذا السياق، يبيّن مصدر كردي أن «قرار رفع العقوبات، هو خطوة أفرحت كل السوريين – الذين عاشوا حصاراً اقتصادياً قاسياً طيلة السنوات السابقة، تدنّت فيه المعيشة إلى أدنى مستوى -، بمن في ذلك سكان مناطق شمال شرق سوريا، والتي خصّصتها الولايات المتحدة باستثناءات وهمية»، معتبراً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «لقاء ترامب والشرع يشكّل فرصة لفرض تسوية سياسية داخلية، تضمن تمثيلاً وشراكة لكل السوريين في الحكم، وتنهي حقبة الصراعات المسلحة، للتفرغ لتحسين الاقتصاد، وإعادة الإعمار».
وإذ يرجّح أن واشنطن «لن تتخلّى عن شروطها، ومن بينها ضمان حقوق الأقليات الدينية والعرقية، وطرد المقاتلين الأجانب»، فهو يرى أن «قرار رفع العقوبات لن يكون شيكاً على بياض، بل سترافقه مراقبة دقيقة للوضع في سوريا، وهو ما يتطلب سلوكاً إيجابياً من دمشق، وتغيير طريقة تعاطيها في الداخل بصورة أكثر انفتاحاً».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار