آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » العنزة.. والتيس!

العنزة.. والتيس!

 

 

علي عبود

 

صحيح أن العنزة لاتطير لكن بالتأكيد يُمكن (حلبها) على عكس التيس الذي لايُحلب ولا (يطير)، ومع ذلك فإننا نتفاجأ بكمّ كبير من الذين ينتحلون صفات متعددة (الخبير والمحلل والكاتب والدارس والإستراتيجي.. الخ.) يصرّون على آرائهم التي تستند غالبا على خلفيات سياسية واقتصادية وأحيانا على خصومات (نكدية)، ومهما قدمت لهم من أرقام ووقائع دامغة فإن أجوبتهم الدائمة ينطبق عليها بعض الأمثال الشائعة وأبرزها: (نقول تيس يقول احلبوه) و(عنزة ولو طارت)!

 

في لبنان مثلا يدور جدل حول ضرورة تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي ليتمكن لبنان من الحصول على قرض بـ 4 مليارات دولار، ومع أن نخبة من السياسيين والمحللين الإقتصاديين البارزين برهنوا بالأرقام ان بإمكان الحكومة تأمين أكثر من هذا المبلغ من خلال إجراءات وتدابير إقتصادية ومالية، فإن أصواتهم غير مسموعة والرد عليهم من كم كبير من السياسيين والمحللين المناصرين لهم ينطلق من مثلي التيس والعنزة!

والأمر لايقتصر على خلفيات سياسية أو اقتصادية فقط، وإنما يشمل أيضا كل من محور نشاطه يستند إلى مواقف مسبقة ترى أن كل ماهو قائم ونافذ سلبي جدا خاصة إذا كان خارج دائرة القرار الحكومي، حتى لو كان مدعما بالأرقام، فالشغل الشاغل لهؤلاء (تسخيف) أي قرارات إقتصادية ونقدية أو إنجازات تنموية ولو كان مصدرها مراكز ومؤسسات دراسية خارجية!

 

في منتصف عام 1999 نشرنا تقريرا بعنوان (المصرف التجاري السوري: الثاني عشر بين أكبر 25 مصرفا عربيا من حيث الموجودات)، وهو خلاصة لدراسة نشرتها آنذاك مجلة (المصارف العربية)، وقد أثار هذا التقرير سخرية إقتصادي (كبير) وهاجمه علنا في ندوة اقتصادية، فقد رأى ان مانشرته المجلة غير صحيح، مع أن التقرير لم يقل بأن المصرف التجاري السوري يحتل المركز الثاني عشر (وهوأصلا غير متقدم) بفعل أرباحه (الضئيلة أساسا) أو تقنياته (المتخلفة جدا) أو علاقاته المصرفية مع الخارج (وهي معدومة تقريبا).. الخ، بل احتل المركز الثاني عشر بفعل موجوداته، وهي موجودات كانت سابقا وازدادات حاليا قيمتها عالية جدا لأنها تقع وسط الأسواق التجارية!

ماحدث أن محللنا الإقتصادي أغفل (الموجودات) من التقرير وأصر من خلال مواقف مسبقة ومعلبة وتعامل مع المعطيات الرقمية من خلال المثلين الشعبيين: التيس والعنزة!

 

أما الأخطر من كل مانتابعه منذ عقود في المنطقة العربية والكثير من الدول المتخلفة اقتصاديا، فهو إصرار كل الحكومات في هذه الدول على الإنصياع لشروط مؤسستي البنك والصندوق الدوليين، على الرغم من معرفتهم الوثيقة أنهما ذراعا الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على العالم!

صحيح أن هناك أصواتا وقراءات لعدد كبير من المحللين الإقتصاديين والسياسيين المتمرسين الذين لم يتوقفوا عن تحذير الحكومات بأن دولهم ستقع في أزمات مالية واقتصادية مستمرة إذا ماقبلت بشروط المؤسسات المالية الأمريكية، واقترحوا ـ ومازالوا يقترحون ـ البدائل التنموية الذاتية، لكنهم يقارعون طواحين الهواء، أمام (جيش) من دعاة اللبرة المتوحشة وإغراق البلاد بالديون، ولا يتوقفون عن تسفيه معارضيهم والسخرية من آرائهم (المتخلفة) التي (تجاوزها) الزمن متسلحين دائما وأبدا بالمثلين الشعبيين: العنزة والتيس!!

 

وتأخذ المسالة ابعادا سريالية عند المأخوذين بالإعلام الغربي، وتحديدا الأمريكي، فهم لايتوقفون عن الحديث عما يتمتع به من حريات مطلقة، ومهما قدمت لهم من أدلة وبراهين بالأسماء بأن جميع وسائل الإعلام الأمريكية سواء الكبيرة في المدن الرئيسية أو في الأحياء الصغيرة، وجميع دور النشر والإعلان، وشركات الإنتاج السينمائي، والتواصل الإجتماعي..الخ مملوكة أو مدارة من اليهود، فإنهم يصرون على أن الحرية الإعلامية والثقافية والسياسية لاتتوفر إلا في أمريكا متمسكين بمقولتي التيس والعنزة!

(موقع أخبار سوريا الوطن-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الانقسام المجتمعي: التهديد الذي لا يُرى

        المهندس نضال رشيد بكور     حين نفكر في أخطار تهدد الأوطان يتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر: العدوان الخارجي التفكك ...