آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » سوريا تخرج من الظل: خريطة جديدة للنفط والأمن والسياسة

سوريا تخرج من الظل: خريطة جديدة للنفط والأمن والسياسة

 

المهندس حيدر عبدالجبار البطاط

في تحولٍ مفصلي على صعيد السياسة الدولية تجاه سوريا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أيار/مايو 2025 عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق منذ عام 2011. هذا القرار، الذي جاء عقب تغيير سياسي داخلي وسقوط النظام السابق، لم يكن مجرد خطوة إجرائية، بل لحظة سياسية واقتصادية مفصلية أعادت سوريا إلى طاولة التوازنات الإقليمية والدولية، وطرحت تساؤلات جديّة حول مستقبل البلاد بعد أكثر من عقد من العزلة والانهيار.

 

 

الوجه الاقتصادي لهذا التحول بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى. فمع تحرير القطاع النفطي، استعادت الحكومة السيطرة على الموارد التي كانت خارج سيادتها، ما مهّد الطريق لزيادة سريعة في الإيرادات العامة، خصوصاً مع عودة شركات أجنبية منها أميركية، روسية وخليجية للاستثمار في الحقول والبنية التحتية. هذا الانفتاح انعكس أيضاً على سعر صرف الليرة السورية، حيث ساهم تدفّق العملات الصعبة في تخفيف الضغط على السوق وتعزيز الثقة بالنظام المالي، لا سيما مع الحديث عن إصلاحات نقدية ومصرفية محتملة.

 

 

 

وبينما بدأت الأسواق المحلية تشهد انتعاشاً تدريجياً، فتحت سوريا أبواباً جديدة للتجارة والاستثمار، تجسّدت في مذكرات تفاهم وُقّعت مع شركات من أميركا، الصين، ودول الخليج، لإعادة إعمار الموانئ ومحطات الكهرباء والطرقات. لكن هذه الانفراجة الاقتصادية لا تأتي من دون تحديات، خصوصاً في المشهد الأمني. فرفع العقوبات لم يُنهِ الصراعات، بل أعاد تشكيلها. إذ دخلت البلاد في سباق نفوذ جديد، حيث تسعى الولايات المتحدة لترسيخ حضورها بصفتها “الضامن الأكبر”، فيما تحاول روسيا تثبيت مكاسبها الميدانية، وتتمسّك إيران بمواقعها الاستراتيجية. أما أوروبا ودول الخليج، فاختارت طرح مشاريع تنموية مشروطة بالإصلاح السياسي والحياد.

 

 

ومع هذا التنافس، تبرز مخاوف حقيقية من إعادة إنتاج منظومة الفساد القديمة. ففتح الأبواب أمام رؤوس الأموال دون وجود آليات رقابة ومحاسبة شفافة قد يؤدي إلى تفريغ الانفتاح من مضمونه وتحويله إلى فرصة جديدة لنهب الموارد من قبل شبكات داخلية مرتبطة بالنظام السابق. ومع هذا، تبدو المرحلة المقبلة واعدة، ولكن مشروطة.

 

 

 

 

 

فالاقتصاد يسير نحو تعافٍ تدريجي يعيد شيئاً من الثقة بالبيئة المحلية. والأمن، رغم هشاشته، يمكن تثبيته بشرط تفكيك الميليشيات وتحييد الصراعات. على المستوى المجتمعي، تظهر بوادر تحسّن في مستويات المعيشة وعودة جزئية للنازحين، فيما تضع السياسة البلاد أمام مفترق حاسم: إما بناء حكومة انتقالية مستقلة تعبّر عن الإرادة الوطنية، أو الوقوع مجدداً في فخ الاصطفاف الخارجي.

 

 

 

في الختام، رفع العقوبات عن سوريا ليس مجرد قرار سياسي أو مالي، بل محطة مفصلية في مسار بلد جُرّد لسنوات من أدوات التنمية والاستقرار.

 

يبقى نجاح هذه المرحلة رهناً بقدرة الحكومة الجديدة على إدارة الوفرة بحكمة، والتعامل مع الخارج من موقع الشريك لا التابع، حتى لا تتحول سوريا إلى ساحة صراع أخرى، بل إلى نموذج تعافٍ سيادي يملك أدواته ويصنع مستقبله.

 

أخبار سوريا الوطن١-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحالف القوى السياسية والمدنية بالسويداء في بيانها اليوم : نرفض جميع المشاريع الانفصالية ونطالب بدولة المواطنة والقانون

  ‏ ‏أكد تحالف القوى السياسية والمدنية بالسويداء والذي تشكل بجهود مشتركة لغالبية القوى السياسية والمدنية على ساحة المحافظة على وحدة الأراضي السورية والشعب السوري ...