آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » استثمارات عربية تاريخية في مصر: ما وراء 41.5 مليار دولار؟

استثمارات عربية تاريخية في مصر: ما وراء 41.5 مليار دولار؟

 

أحمد عزام

 

في العام المالي 2023/2024، سجّلت مصر قفزة غير مسبوقة في حجم الاستثمارات العربية الوافدة، حيث بلغت 41.5 مليار دولار، في رقم يعكس ليس فقط شهية المال العربي، بل تحوّلات أعمق في الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

 

 

 

الإمارات تقود المشهد… ومشروع “رأس الحكمة” في الصدارة

 

لم يكن مفاجئًا أن تأتي الإمارات في صدارة الدول المستثمرة عربيًا في مصر، لكن حجم التدفقات فاق كل التوقعات: 38.9 مليار دولار، منها 35 مليار دولار في صفقة واحدة فقط — تطوير منطقة “رأس الحكمة” على الساحل الشمالي.

 

 

 

المشروع يُعد من أكبر الاستثمارات العقارية والتحويلية في تاريخ مصر الحديث، ويتضمن تطوير بنية تحتية متكاملة، ومناطق سياحية وتجارية وسكنية، بالشراكة بين صندوق أبوظبي للتنمية والحكومة المصرية.

 

 

 

هذه الصفقة تعيد رسم خريطة الساحل المصري، وتحوّله إلى نقطة جذب إقليمية بمقاييس إماراتية، ما يعني أن رؤية الإمارات للاستثمار في مصر باتت طويلة المدى واستراتيجية، لا مجرد ضخ مالي قصير الأجل.

 

 

 

السعودية وقطر… حضور مستمر بأثر هادئ

 

رغم تصدّر الإمارات، فإن السعودية وقطر حافظتا على وجود مؤثر. الاستثمارات السعودية تجاوزت 775 مليون دولار خلال العام، وتركزت في قطاعات البنية التحتية، والخدمات المالية، والزراعة، مع حضور متزايد لصندوق الاستثمارات العامة في مشاريع بالشراكة مع القطاع الخاص المصري.

أما قطر، فقد ضخت نحو 618 مليون دولار، خصوصًا في قطاعات الطاقة والتطوير العقاري، ما يعكس حرص الدوحة على تنويع قنوات التعاون مع القاهرة رغم التحديات.

 

 

 

أين ذهبت الاستثمارات؟ توزيع القطاعي

 

رغم ضخامة الرقم الإجمالي (41.5 مليار دولار)، إلا أن التركيز كان شبه كلي في قطاع العقارات، وخاصة في مشروع “رأس الحكمة”، ما يفتح باب النقاش حول غياب التنوع:

 

• القطاع الصناعي والزراعي تلقى حصة أقل من 5% من هذه الاستثمارات، رغم كونهما الأقدر على توليد الوظائف.

 

• الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية كان شبه غائب، رغم الحاجة الماسة إليه في الاقتصاد المصري الحديث.

 

هذه الملاحظة تدفع للتساؤل: هل هذه الاستثمارات تنقل الاقتصاد المصري إلى الأمام؟ أم تعيد تدويره في قطاعات تقليدية ذات عوائد آنية؟

 

 

التجربة الخليجية في مصر: ماذا علّمنا العقد الأخير؟

 

بين عامي 2013 و2022، تدفقت عشرات المليارات من الدولارات الخليجية على مصر، لكن:

 

• لم تُحدث هذه الأموال تحولات هيكلية في الاقتصاد.

 

• كثير من المشاريع لم يُكتمل أو بقي في حالة “معلّقة”.

 

ما يميز استثمارات 2023/2024 أنها مشروطة، ومبنية على عقود تضمن للطرف الخليجي أرباحًا وأدوارًا إدارية — ما قد يجعلها أكثر فاعلية واستمرارية. حيث أن النمو القوي في الاستثمارات والتبادل التجاري مع الدول العربية يعكس استعادة مصر لجاذبيتها الاستثمارية، في ظل خطوات واضحة لتحسين بيئة الأعمال، وتوفير مشروعات استراتيجية ضخمة تضمن عوائد مرتفعة وتنوعًا في القطاعات الاقتصادية، لا سيما مع دخول مشروعات بنية تحتية وسياحية وعقارية عملاقة ضمن خطط التنمية طويلة الأمد.

 

 

لماذا مصر؟ ولماذا الآن؟

 

 

السؤال الذي يُطرح هنا ليس فقط عن حجم الأموال، بل عن توقيتها: لماذا تضخ دول الخليج هذا الكم من الاستثمارات في مصر في ظل بيئة اقتصادية ضاغطة وأوضاع اقتصادية مقلقة عالمياً؟

 

الجواب يكمن في:

• فرص الخصخصة التي تعرضها الحكومة المصرية لعدد من الشركات المملوكة للدولة، وسط برنامج إصلاحي بدعم من صندوق النقد الدولي.

• موقع مصر الجيوسياسي وقربها من الأسواق الأفريقية الرئيسة.

• ضعف الجنيه المصري الذي يجعل الأصول المحلية أرخص نسبيًا للمستثمر الخليجي.

• الروابط السياسية القوية بين القيادة المصرية وحكومات الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية.

 

 

 

انعكاسات محلية وإقليمية

 

هذه الأرقام تعني أن الاقتصاد المصري بات يدخل مرحلة جديدة، لا تعتمد فقط على القروض والمساعدات، بل على شراكات استثمارية ضخمة قد تُعيد تشكيل بنيته.

 

لكنها تثير أيضًا تحديات:

 

• كيف ستُدار هذه الاستثمارات لضمان استفادة المصريين منها؟

 

• هل ستتم تهيئة بيئة قانونية وتنظيمية مستدامة تجذب المستثمرين وتحمي حقوق الطرفين؟

 

إقليميًا، يبدو أن الخليج يعيد صياغة دوره في المنطقة — من ممول إلى شريك استراتيجي طويل الأجل. ومصر، بتاريخها وسكانها وموقعها، تبدو كأنها المرشح الطبيعي لهذا التحوّل.

 

 

 

بداية مرحلة أم ذروة ظرفية؟

 

هل ما نراه اليوم هو بداية تحول هيكلي في علاقة مصر بدول الخليج؟ أم أنها طفرة مؤقتة بفعل صفقة استثنائية؟

 

الإجابة ستتضح في السنوات المقبلة، لكن ما هو واضح الآن أن عام 2023/2024 سيكون علامة فارقة في تاريخ الاستثمار العربي في مصر — عام أظهرت فيه الأموال أنها لا تبحث فقط عن العوائد، بل عن النفوذ، وعن شركاء يعيدون رسم خريطة المنطقة.

 

 

 

**أحمد عزام، رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي، أحمد عزام

 

 

أخبار سوريا الوطن١-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الناقل الوطني “السورية للطيران” ينفض غبار الترهّل ويستعد لانطلاقة جديدة.. فرصة مؤاتية لاستعادة الدور والحضور

ربما هي فرصة مناسبة، وربما أيضاً فرصة لا تعوض أمام مؤسسة الخطوط الجوية السورية “السورية للطيران” لاستعادة نشاطها وعملها، وذلك بعد رفع العقوبات عنها، وبعد ...