في بلدٍ يختلط فيه التمثيل بالواقع إلى حد التهديد، لم يكن مستغرباً أن يتوقف عرض مسرحي بسبب كلمة اعتُبرت «كفراً»، وأن يتدخل أحد المارّة للمحاسبة، ليس بصفته ناقداً أو مشاهداً، بل كمندوب غير رسمي للرقابة العامة.
الغيرة على المقدسات
هذا ما حدث خلال أحد عروض «مسرح الغرفة» بعنوان «كل عار وأنتم بخير» للأخوين ملص، حين وجد أحد الممثلين نفسه فجأة وهو ينظر من الشباك خلال المشهد الذي يؤديه في مواجهة مع رجل غاضب اقتحم المشهد بدافع «الغيرة على المقدسات».
على الرغم من عبثيتها، تختصر الحادثة ما يعيشه السوري اليوم من قمع، ليس فقط على يد السلطات، بل أيضاً عبر مجتمع بات مشبعاً بالخوف، ويتصرّف بوحي الأمن لا بوحي الفن.
المفارقة أن الممثل لم يرتبك. بروية وتلقائية، بل شرح أن ما قيل كان جزءاً من الأداء، وطلب من الرجل أن يتوجه إلى الأمن إذا شاء. لحسن الحظ، لم تنتهِ الحادثة باعتقال أو توقيف، بل بتحويل اللحظة نفسها إلى جزء من العرض، ليصبح الرجل، من دون أن يدري، «مؤدياً» في مسرحية لا يعرف أنها مسرحية. وقد علّق الأخوان ملص على الحادثة عبر صفحتهما على فايسبوك قائلين: «حاولنا الاستمرار في العرض، ورحل الشخص بعدما ركب دراجته النارية، من دون أن يدرك أن ما حدث لم يكن سوى مشهد مسرحي».
حادثة غير معزولة
لكن هذه الحادثة لم تكن سوى حلقة جديدة في مسيرة مسرحية وسينمائية بدأها الأخوان ملص من داخل غرفة في بيت دمشقي. في بداياتهما، أطلقا على تجربتهما اسم «مسرح الغرفة»، حيث كان العرض يُقدم أمام جمهور لا يتعدى 15 شخصاً، في محاولة جريئة لاختبار حدود الفن في بلدٍ يُحاصر حتى الغرف الصغيرة.
وليست الحادثة السابقة استثناءً. فقد سبقتها وقائع مشابهة، من بينها ما جرى مع الممثل السوري نوار بلبل، المعروف بمواقفه المعارضة للنظام. في أحد عروضه المسرحية في برلين، تعرض للهجوم والضرب من قبل أحد الحضور المتشددين الذي اعترض على اللباس، إذ اندفع أحد الحضور إلى مهاجمته لفظياً، قبل أن يتطور الأمر إلى عراك بالأيدي. لم يشفع لبلبل موقفه السياسي ولا طبيعة العمل الفني، فوجود النساء على المسرح كان كافياً لاستفزاز حساسية اجتماعية متوترة، تُقابل الفن دائماً بالشك والاتهام.
الخيال ممنوع في سوريا
هذه المسيرة، التي امتدت من غرفة صغيرة إلى شاشات العالم، تقول إن الخيال في سوريا لم يعد يملك حصانته. المسرح، الذي يفترض أن يكون مساحة للحرية والتساؤل والتجريب، بات مهدداً، لا فقط برقابة الدولة، بل برقابة الناس الذين تماهوا معها حتى صاروا حراساً لصورتها ومقدساتها وخطوطها الحمر.
لكنها تقول أيضاً إنّ الفن لا يستسلم، وهناك دائماً لحظة يمكن تحويلها من تهديد إلى أداء، من كبت إلى تعبير، ومن صراخ إلى دهشة. المسرح، حين يبقى حياً، يكون قادراً على النجاة، حتى لو هدد أحدهم بالشكوى للأمن العام.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار