ثار قرار تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى الدولة، جدلاً في الأوساط السياسية، واحتل مكانة متقدمة في اهتمامات الصحف اللبنانية بشكل خاص، والعربية بشكل عام. فعلى الصعيد اللبناني، أثير في الوقت الذي تتداول فيه الأوساط اللبنانية مسألة سلاح حزب الله، في ظل تباين واسع بين القوى السياسية اللبنانية، كما أثير في الوقت الذي ما زالت فيه القوات الإسرائيلية تحتل 5 مواقع داخل الجنوب اللبناني، وتواصل إعتداءاتها على لبنان، وترهن إنسحابها من لبنان، ووقف أعمالها العدوانية، بتسليم حزب الله سلاحه إلى الدولة، خاصة وأن اللبنانيين أنفسهم اختلفوا في تفسير القرار 1701، بين من يقول بإخراج سلاح حزب الله من جنوب الليطاني فقط، وبين من يفسره على أنه يشمل لبنان كله.
وفي هذا السياق، وفي ظل احتدام الجدل اللبناني حول مسألة سلاح حزب الله، أبدت بعض القوى والأوساط السياسية اللبنانية إنتعاضها من إثارة الرسمية الفلسطينية سلاح المخيمات، ورأت في ذلك إضعافاً لحزب الله وحلفائه، ودعماً غير مباشر، وإسناداً للقوى اللبنانية التي تناصب حزب الله الخصام، وترى فيه إمتداداً للنفوذ الإيراني، هذا من جهة.
من جهة أخرى، وكما تقول مصادر فلسطينية في لبنان، عن تعقيدات هذا الوضع وخصوصيته، إن الدعوة إلى تسليم سلاح المخيمات باغتت مجمل الحالة الفلسطينية فيه.
• فهو قرار اتخذته الرسمية الفلسطينية دون تمهيد مسبق، يحول دون أن يشكل دعماً لبعض الأوساط اللبنانية في خلافاتها حول تفسير القرار 1701 المتعلق بحزب الله.
• كما أن القرار اتخذ دون تشاور فلسطيني – فلسطيني، يضع القضية في سياق سياسي يضمن مصالح الفلسطينيين في لبنان. فالوضع الفلسطيني في لبنان يشكو من إخلال كبير من قبل الدولة اللبنانية بحقوقه الإنسانية والإجتماعية، كحق العمل، وتملك شقة سكن، فضلاً عن الأوضاع الصعبة التي تعيشها المخيمات، كحقها في الماء النظيف والكهرباء وخدمات أخرى، توفر لسكان المخيمات الإقامة الكريمة، خاصة في ظل تراجع خدمات وكالة الغوث (الأونروا)، وغياب البدائل الرسمية لهذه الخدمات.
إلى ذلك، وكما تقول بعض المصادر الفلسطينية، فإن الأمر بحاجة إلى التوافق الفلسطيني على التفاصيل، وهي كثيرة ومعقدة، وعلى سبيل المثال:
• ما المقصود بسلاح المخيمات، حيث يدرك الجميع أن المخيمات لا تحوز على أسلحة ثقيلة، كالراجمات والمدافع والرشاشات الثقيلة والصواريخ وغيرها من أدوات الحروب، بل يقتصر السلاح فيها على الأسلحة الفردية، كالبنادق والمسدسات في أحسن الأحوال.
• وفي السياق نفسه، عن أي سلاح يتم الحديث، عن سلاح الفصائل فقط، أم عن كل الأسلحة بما في ذلك السلاح الفردي لسكان المخيم، علماً أن الدولة اللبنانية لم تتخذ حتى الآن قراراً بجمع السلاح الفردي من السكان، والذي يعتبر أداة حماية شخصية؟
• ثم مَنْ سيتولى جمع السلاح في المخيمات، هل ستدخلها قوات لبنانية، تتولى هي جمع السلاح، ومن يضمن، على سبيل المثال، أن الجميع سلّم سلاحه، هل ستقتحم الدولة منازل المواطنين في المخيمات بحثاً عن الأسلحة الفردية، وهل يدرك المسؤولون عاقبة هذا الأسلوب؟
• من سيحمي المخيمات ويدير شؤونها الأمنية الداخلية إذا ما ألزمت الفصائل بتسليم سلاحها، في وقت تمارس فيه هذه الفصائل دور الشرطة لرعاية أمن المخيمات بالتعاون مع الدولة اللبنانية؟
• من سيحمي المخيمات من الخطر الخارجي في ظل أوضاع لبنانية غير مستقرة، وما زال التعايش بين الأطياف اللبنانية تخترقه غصّات وعنعنات، ترمي في بعض الأحيان إلى بثّ الكراهية والتحريض الداخلي؟
وبالتالي؛ إذا سلمت المخيمات سلاحها، هل ستقوم الدولة اللبنانية بواجبها نحو المخيمات، حماية أمنها الداخلي وتوفير بديل للشرطة الفلسطينية، إلى جانب الإلتزام بتوفير الحاجات الإنسانية بما يوفر شرط العيش الكريم.
وتضيف المصادر نفسها مؤكدة أن ثمة قضايا تفصيلية سوف تطل برأسها عند الدخول في تنفيذ القرار، الأمر الذي لن تستطيع الدولة أن تقوم به منفردة، إلا بالتعاون الوثيق مع القيادات المحلية الفلسطينية من داخل المخيمات.
ولا تخفي هذه المصادر عدم رضاها عن الوفد الفلسطيني الذي قيل أنه المكلف بحث الملف مع الدولة اللبنانية، وكل أفراده مقيمون في رام الله وليسوا من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بينما بالإمكان تشكيل وفد فلسطيني من القيادات المحلية في لبنان، تملك من الخبرة والقدرة على التعامل مع الدولة اللبنانية، تدرك خصوصية كل مخيم، وتستطيع أن تقدم إقتراحات وآليات عمل تُعفي الطرفين اللبناني والفلسطيني من خطر الوقوع في المحظور.
وفي هذا السياق يقترح مصدر فلسطيني أن تبحث الدولة اللبنانية مع الجانب الفلسطيني إمكانية رسم إطار عام يكفل سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وحقها في احتكار السلاح، كما يكفل من جهة أخرى رسم صيغة للعلاقة بين الدولة من جهة، والمخيمات من جهة أخرى، تأخذ بعين الإعتبار الخبرة المديدة لدى الطرفين في معالجة القضايا وعلى قاعدة خصوصية المخيمات وخضوعها لسيادة الدولة اللبنانية وسلطة قضائها، دون أن يؤدي ذلك إلى إغراق الدولة اللبنانية بالتفاصيل اليومية للمخيمات، على أن تتولاها اللجان الشعبية واللجان الأمنية من أبناء المخيمات، تمتلك القدرة على منع المظاهر المسلحة في المخيمات، وفرض سيادة الدولة على الجميع بالتعاون الوثيق مع الحواجز الأمنية القائمة عند مداخل المخيمات.
وبذلك نضمن سيادة الدولة على المخيمات، وتوفير الأجواء للتعاون المشترك بما يضمن سلامة المخيمات واستقرارها الأمني، وحق الدولة في فرض سيادتها عليها، عبر اللجان الشعبية والأمنية، يعترف بها إدارة ذاتية محلية للمخيم بالتعاون مع وكالة الغوث (الأونروا)
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم