تنتقي أجملَ الورود أو صورةَ حمامتين متعانقتين أو ظلّ عاشقين على شطّ بحر الهوى، وخلفهما شمسٌ غاربةٌ تغوص في بحر العواطف اللازوردية؛ فيما هي تُبعِدُ ذاتها الواقعية لعلّها بذلك تكسبُ زوجاً أو شهرةً أو تدرأ غلاظة الشباب «الدبقة» والمعجبين «اللزقة». فيما يضعُ هو صورةً مشغولة بعناية «الفوتوشوب» تُظهره بلحية «جبل شيخ الجبل» وعزيمة «هِرقل» ومَرحِ «جاكي شان» وعبقرية «آينشتاين».
وفي معظم الأحيان يكشفون بعضهم ويكتشفون أنّه ليس كما ادّعى, بل مجرد يافعٍ أو شاب فتلتْ دماغَه الرومانسيةُ السحريةُ في دراما الأبطال الخارقين، وأنّها ليست «مارلين مونرو» أحلامه الزهرية ولا النسخة التعويضية عن والدته إنما هي صبية عادية علّمتها الخيبات ودبابيس النميمة و«نقّ» الأقارب أن تختبئ خلف أقنعة متعددة خوفاً من كفّ الغفلة.
لِمَ يلجأ شبابُنا إلى هذه الحيل كلّها، ولِمَ يخافون قولَ دواخلهم وأفكارهم؟ لو سألنا صديقَنا «أبو علي فرويد» لأجابنا بأن ذلك سايكولوجيّاً يُدعى «عملية مباعدة نفسية» ولو استأنسنا برأي زميله «أبو المتيّم يونغ» لأجاب بأنها حالة انفصام عن واقعٍ لا يسمح لهم بأن يكونوا أنفسهم وأنْ يصلوا إلى مستوى «الوهم الجميل» عن مجتمعٍ/وطنٍ/بلدٍ مثل «اليوتوبيا» يعيشون فيه كأطيافِ أرواحٍ بلا منغصات الحياة الماديّة وجلطات الأسعار وإيجارات السكن القاتلة.
ولو سألنا بصدق: هل وجد أولئك الشباب الكادح «روحُ الأمّة وغدُها المتوثّب الحارّ» مَن يصغي بالفعل إلى همومهم ومشاكلهم ويعطيهم فسحة ليكونوا كما هم عليه بدلاً من حشرهم في «كليشيهات» مسبقة الصنع وقولبتهم في نسخ «فوتوكوبي» على اعتبار أن الجميع يجب أن يكونوا بلون واحد، وتحت أيديولوجيا واحدة وإلا ضاعوا وانحرفوا وفقدوا هويّتهم وبوصلتهم؟!
أعتقد أنّ المعنيين سيجدون صعوبة بالغة في الإجابة، فوراءَنا تسعُ سنين من الأهوال والإهمال وأمامنا مستقبلٌ يبدو ضبابياً بقدر الوعود التي يؤمِّلوننا بها.
(سيرياهوم نيوز-تشرين)