عبد اللطيف شعبان
“ الثالوث غير المقدس” هو عنوان لكتاب مترجم صادر سابقا عن وزارة الثقافة السورية ( الهيئة العامة السورية للكتاب ) يتناول مؤلفوه نقدا صريحا للدور السلبي للمؤسسات الاقتصادية الدولية الثلاث الكبرى ( صندوق النقد الدولي – البنك الدولي- منظمة التجارة العالمية)، وقد عمد مؤلفو هذا الكتاب لتأكيد أن الجهات الثلاثة تعمد لفرض جملة سياسات اقتصادية نيوليبرالية، كشروط على قروض لبلدان في أمس الحاجة لها، وأوضحوا بالأدلة ثبوت الانعكاس السلبي لوصفات هذه الجهات ولدرجة كبيرة على العديد من اقتصاديات البلدان التي سبقتنا باعتماد هذه الوصفات التي حصدت أخطارها، والاحتجاجات المتنوعة الأشكال التي واكننها، ولولا مجمل عوامل متكاملة متوفرة لدى تلك البلدان، أو وفرتها في حينه وأحسن اقتصاديوها استثمارها، لما كان من السهل عليها أن تنهض من الأزمات التي أو صلتها لها هذه السياسات.
منذ سنين خلت ( قبل حوالي عشرين عام ) روَّج بعض مسؤولي السلطات السورية، طروحات ورؤى اقتصادية بشأن التعامل مع هذا الثالوث، ورافق ذلك بعض الإجراءات الأولية المستجيبة لبعض الشروط، إلا أن بعض الاقتصاديين والإعلاميين السوريين المشهود بخبراتهم ومؤهلاتهم الاقتصادية تصدوا لتلك الطروحات والإجراءات في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من وسيلة إعلامية، ومن على منبر الثلاثاء الاقتصادي الذي كانت تقيمه جمعية العلوم الاقتصادية السورية لعدة أشهر كل عام، ووجهوا الكثير من النقد المتمثل بعدم الرضا عن دور وصفات البنك الدولي في السياسة الاقتصادية المعتمدة في بلدنا، وعرضوا العديد من الأدلة والاستنتاجات التي يرون فيها ما يؤيد وجهات نظرهم منبهين إلى مخاطر ذلك على اقتصاد البلدـ وما يترتب على ذلك من منعكسات على المواطن حاضرا ومستقبلا، إذ من بين الوصفات التي اقترحها البنك الدولي يومئذ ( وتم الاتفاق على عقد ورشة عمل لمناقشة هذا الاقتراح ) أن تخفض المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الراتب التقاعدي من / 75 % إلى 62 % / وقد حظي هذا الاقتراح باستهجان العديد من الاقتصاديين والإعلاميين السوريين.
واقع الحال يظهر أنه يوجد من يدعو مجددا للتعامل مع هذا الثالوث، و قد تمت زيارة لجنة من صندوق النقد الدولي إلى سوريا بهدف إعادة تأهيل الاقتصاد، والبنك الدولي يعرض نفسه في الساحة السورية ويقول : إن سوريا أصبحت مؤهلة مجدداً للحصول على تمويلات جديدة بعدما تمت تسوية المتأخرات المستحقة عليها للمؤسسة الدولية للتنمية، والجهاز المركزي للرقابة المالية يبحث مع وفد من البنك الدولي التعاون في إصلاح الإدارة المالية العامة.
مدعاة للسرور أن الحكومة متنبهة لذلك في ظل هذه الأجواء، فوزير المالية يقول / في مقابلة له / : سوريا لا ترغب أن تقترض من المؤسسات الإقليمية والدولية، والعمل جارٍ لإعداد الميزانية التكميلية للعام الجاري، وميزانية عام / 2026 / التي سيكون التركيز فيها على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين والاهتمام بقطاعات الصحة، والتعليم والشؤون الاجتماعية، ورفع العقوبات سينعكس إيجاباً على كافة مفاصل الاقتصاد وعلى الأوضاع المالية للدولة، وسيمكن من إعادة بناء المؤسسات والنهوض بالخدمات الأساسية وتحسين البنى التحتية واستقطاب المعرفة والتكنولوجيا الضرورية لعملية الإصلاح، والدولة تسعى لاستغلال رفع العقوبات وتقوم في الوقت الحالي بخطوات لإعادة ربط البنوك السورية بالنظام المصرفي العالمي، وسورية هي من تضع برامج الإصلاح وهي من تشرف عليها، مع الاستفادة من الخبرات الفنية للمؤسسات الدولية ومساعدة الأشقاء العرب، وتوفير كافة الظروف المواتية ليتمكن القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات، وسوريا منفتحة على كافة المؤسسات المالية الدولية والإقليمية وحريصة على الاستفادة من الخبرات والقدرات والمساعدات الفنية التي تقدمها هذه المؤسسات للنهوض بالاقتصاد، وبكفاءات سورية تمنع الهيمنة الخارجية وتضع خططاً تراعي العدالة الاجتماعية وتدعم الإنتاج المحلي، ، لضمان انتعاش حقيقي ومستدام للاقتصاد السوري. وينصب التركيز على تهيئة بيئة جاذبة وتوفر الحماية للاستثمارات.
حقيقة الأمر أن المؤسسات الثلاثة ليست جهات خيرية بل هي جهات اقتصادية لها أهدافها، والأمل كبير بأن تستفيد الجهات الرسمية من خبراء اقتصاديين ورجال أعمال وطنيين مؤهلين بخصوص التعامل معها، تجنبا لفرض سياسات خارجية قد تضعف السيادة الاقتصادية لبلدنا من خلال فرض شروط قاسية كالخصخصة، أو تهميش الإنتاج المحلي مما يزيد الفقر والبطالة.
*الكاتب:عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية- عضو مشارك في اتحاد الصحفيين السوريين
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)