آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » سفير «إسرائيل» مخاطباً ترامب: أنت «مخلّصنا المختار»

سفير «إسرائيل» مخاطباً ترامب: أنت «مخلّصنا المختار»

 

بول مخلوف

 

 

 

نقرأ في الرسالة التي وجهها سفير «إسرائيل» في الولايات الأميركية المتحدة مايك هاكابي إلى دونالد ترامب لغةً ملحمية متوترة، تحيل إلى أدبيات لاهوتية عرفت بطابعها «القدريّ» سادت في القرون الوسطى أو ما يعرف بعصر الظلام.

 

على حسابه في منصة Truth social، نشر دونالد ترامب رسالة هاكابي وقد أرفقها بجملةٍ تعريفية: «من مايك هاكبي قسيس، سياسيّ، سفير، وشخص رائع».

 

«الرائع» عند ترامب هو ذاك الذي يضفي عليه مهمات إلهية لأنه ينظر إليه بوصفه مخلصاً. من جملة ما كتبه هاكابي نقرأ: «هناك الكثير من الأصوات التي تخاطبك، سيدي، لكنّ هناك صوتاً واحداً فقط هو الذي يهم. صوته هو. أنا خادمك المعيّن في هذه الأرض، وفي خدمتك متى احتجت (…) أنا أؤمن بأنك ستسمع الصوت الآتي من السماء، وهذا الصوت أهم من صوتي ومن أيّ صوتٍ آخر».

 

إحالات دينية لا تحصى

تنذر كلمات هاكابي بأن الرجل لم يعد سفيراً عادياً. هو يتنبأ بأن «الأصهب المجنون» سيحقق مجد أميركا العظيم. النص المرسَل زاخر بإحالاتٍ دينية توحي بأن المرسِل جرّد نفسه من المكانة السياسية والديبلوماسية التي يشغلها في حين يقدّم نفسه بوصفه سفيراً من نوع آخر؛ سفيراً يصبو إلى رسول جاهز لتنفيذ تعليمات ترامب الذي ينفذ، بدوره، مشيئة الله: «لقد أرسلتني إلى إسرائيل لأكون عينيك وأذنيك وصوتك».

 

أيديولوجيا أميركية

تكشف هذه الرسالة، الطافحة بنبرةٍ دينية نبؤية، عن أيديولوجيا مخبوءة تركن وراء الخطابات الشعبوية والقومية التي دائماً ما أفصح عنها دونالد ترامب.

 

والحال، تعد هذه الرسالة بمنزلة قرينة تثبت بشكلٍ دامغ بأنّ الكلام حول اللاأيديولوجيا في «العالم الحرّ الشجاع»، وعلمانية حكامه لهي مجرد مزاعم وكلام أشبه بفقاعات الصابون. يقول مايك هاكابي لترامب: «أنت لم تسعَ إلى هذه اللحظة. هي التي سعت إليك». إنه «المُختار المنتظَر» إذاً، هو شخصية مصيرية ستغيّر مجرى التاريخ.

 

توقظ كلمات هاكابي

فينا خطاب جورج بوش

عن «حرب صليبية جديدة»

 

 

يشحذ مايك هاكابي بلاغته من سرديات درامية وثيولوجية ويسقطها على رئيس أميركا الذي يضع يده اليمنى على الكتاب المقدس ويدلي بالقسم. يكتب هاكابي: «مهمتي أن أكون آخر من يغادر (…) إنه شرف لي أن أخدمك». التمجيد العاطفي حاضرٌ، تقديم الذات على المذبح فداءً للوطن كذلك.

 

نحن إزاء أدب أميركي معاصر يقوم على النبض البروتستانتي وعلى الملحمية الوطنية الرومانسية. هذه هي الأيديولوجيا الأميركية إذا ما أضيف إليها الهامبرغر والكثير من دماء «المستباحين».

 

ترومان ووعد القيامة

على أنّ هاكابي ينوّع في أدواره. هو ليس خادماً مطيعاً «للمخلّص» فقط، هو أيضاً سفير أشبه برسولٍ وجب عليه حثّ «المخلّص» على تحقيق وعد «القيامة».

 

يتوجه إليه بالقول: «لم يمرّ عليّ رئيسٌ في حياتي كان في موقعٍ كالذي أنت فيه الآن. لم يحدث ذلك منذ ترومان عام 1945. ولست أتواصل معك كي أُقنعك، بل فقط لأشدّ من أزرك».

 

وترومان هو ذلك الملعون الذي أمر الطيران الحربي الأميركي بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان عام 1945، محولاً مدينتين، هيروشيما وناغازاكي، إلى صحراء قاحلة لا ينبت فيها نبات وليس فيها جماد.

 

هكذا، يستحضر السفير القبيح ذكرى ترومان وهو يتوجه إلى ترامب حتى تكتمل ملامح «الخلاصية» عند الأخير، ويغدو بالتالي ـــ بعد أن يحذو حذو ترومان ويلقي القنبلة ـــ «مخلصاً» نفذ وعد المرتجى، و«القيامة» تحدث لحظة سقوط النظام الايراني.

 

التاريخ كمأساة

وردت رسالة مايك هاكابي في لحظةٍ متوهجة حيث العالم بأسره يقف على صفيح ساخن، كأنها جاءت لتوقد النار وتشعل حريقاً لن ينجو منه أحد. الأنظار كلها تتجه إلى البيت الأبيض، وإذ ننتظر أن يحدد دونالد ترامب موقفه في ما يخص مسألة الانضمام إلى الحرب، تحضر رسالة هاكابي كوعظة «إنجيلية» من شأنها بعث روح البطولة في الوجدان الأميركي.

 

توقظ كلمات هاكابي فينا خطاب جورج بوش الشهير عقب قراره بغزو العراق، عندما أعلن أنه بصدد خوض «حرب صليبية جديدة»، متكئاً، على الأيديولوجيا نفسها التي يتبناها رفيقه السفّاح في الحزب الجمهوري. ليست المأساة في كون التاريخ (قد) يتكرر مرتين فقط، بل في أنّ تاريخ الإمبراطورية التي تحكم العالم لا يزال عالقاً في القرون الوسطى لكن مع تعديلات جمّة في مجال التقنية.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل تستخدم واشنطن قنبلة “جي بي يو-57” الخارقة للتحصينات لتدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض

يُرجّح أن تستخدم الولايات المتحدة، في حال قرر رئيسها دونالد ترامب المشاركة إلى جانب إسرائيل في الحرب ضد إيران، القنبلة الاستراتيجية الخارقة للتحصينات لأنها الوحيدة ...