آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » المكارثية متواصلة بنجاح في «أم الديموقراطيات»: بريطانيا تحاكم مو تشارا والتهمة علم «حزب الله»

المكارثية متواصلة بنجاح في «أم الديموقراطيات»: بريطانيا تحاكم مو تشارا والتهمة علم «حزب الله»

 

سعيد محمد

 

في مشهد لم تألفه قاعات المحاكم البريطانية، غصّت قاعة محكمة «ويستمينستر» قبل يومين بالحضور والصحافيين، بينما تجمّعت حشود في الخارج ترفع أعلام فلسطين، وتردد هتافات مؤيدة للحرية، أثناء مثول الرابر الإيرلندي الشمالي، ليام أوغ أوهانايدي، المعروف باسمه الفني «مو تشارا» أمام المحكمة الابتدائية في جلسة استماع أوليّة، على خلفية اتهامه بـ«تمجيد الإرهاب» بعد رفعه علم «حزب الله» خلال حفلة في «فوروم بكنتيش تاون» في لندن العام الماضي.

 

وقد وصل مو تشارا إلى مقر المحكمة برفقة زملائه في الفرقة، موغلاي باب ودي جي بروفاي، مرتدين قمصاناً كتب عليها «حرّروا مو تشارا». كان في استقبالهم مئات المؤيدين الذين هتفوا وهم يلوحون بلافتات «حرروا مو تشارا»، و«حرية التعبير»، و«فلسطين حرة»، وأعلام فلسطينية.

 

وبالتزامن مع الوقفة الاحتجاجية، مرّت في الخلفيّة شاحنة مستأجرة، تحمل إعلانات كُتِب على جانبيها شعار مقلوب من عبارات التمييز العنصري: «المزيد من السّود، المزيد من الكلاب، المزيد من الإيرلنديين، مو تشارا»، ما كثّف الأضواء على الطبيعة المشحونة بالتسيّس للإجراءات الحكوميّة المتعسفة ضد الفنان، والفرقة.

 

إخلاء سبيل بكفالة

وفي الجلسة، أوضح المدعي العام، مايكل بيسغروف، أنّ القضية لا تتعلق بدعم مو تشارا للشعب الفلسطيني أو انتقاده لإسرائيل، مشيراً إلى أنه «يحق له تماماً التعبير عن آرائه وتضامنه». وبدلاً من ذلك، قال إن التهمة تتعلق تحديداً بالعرض المزعوم لعلم «حزب الله»، وهتافات منسوبة إليه خلال الحفلة «عاشت حماس، عاش حزب الله».

 

ورغم خطورة التهمة وفقاً للقانون البريطاني، فقد أُفرج عن مو تشارا بكفالة غير مشروطة. ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة في جلسة الاستماع التالية يوم 20 آب (أغسطس) المقبل. ولقي قرار الإفراج ارتياحاً كبيراً من الفرقة وجمهورها، فرفض الكفالة كان ليهدد عرض «ني كاب» المقبل في «مهرجان غلاستونبري»، المرتقب في وقت لاحق من هذا الشهر.

 

تحظر قوانين المملكة المتحدة «حزب الله» اللبناني، بجناحيه العسكري والسياسي، ما يجعل التعبير عن دعمه جريمة يعاقب عليها القانون. وقد بدأت «قيادة مكافحة الإرهاب» في شرطة لندن، تحقيقاً في الحادثة بناء على شكاوى تقدم بها مؤيدون لإسرائيل، بعد تداول شريط فيديو للحادثة على الإنترنت في نيسان (أبريل) الفائت.

 

من جهتها، نفت الفرقة التهمة الموجهة لمو تشارا، واصفةً المحاكمة بأنّها «توقيف سياسي» و«كرنفال تشتيت». وأكد متحدث باسم الفرقة بأنها لم تدعم «حماس» أو «حزب الله» أبداً، وأن الفيديو المعني قد أُخرج من سياقه.

 

ضد إسرائيلي لقمع الفرقة

وأشاد دانيال لامبرت، المدير التنفيذي للفرقة، بشجاعة أعضائها واقتناعهم بضرورة قول الحقيقة في ما يتعلق بالأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزّة، حتى في مواجهة التهديدات بالقتل والضغوط المتقاطعة من أنصار اللوبي الصهيوني في بريطانيا، والسياسيين (اليمينيين في السلطة والمعارضة)، وأجهزة الأمن. وقال إن الحملة على الفرقة تستهدف تكريس «الرقابة السياسية الممنهجة» التي يتعرض لها الفنانون المناصرون لفلسطين، مؤكداً أن ما يُحاكم حقاً هو «صوت إيرلندي جريء، يعبّر عن جرح جماعي»، فيما عبّر مو تشارا عن روح التحدي التي طبعت الفرقة منذ التأسيس، وقال: «سنقاتلكم في محكمتكم، وننتصر».

 

وقد تسببت المحاكمة في إطلاق جدل في المملكة حول حرية التعبير، والحق في الاحتجاج، وسقوف المعاني الفنية، لا سيما في سياق حرب الإبادة التي ينفذها «الجيش» الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والتواطؤ المستمر للحكومة البريطانية في نقل الأسلحة والمعدات له.

 

رحلة فن واعتراض

تجسد رحلة فرقة «ني كاب»، من رسومات الغرافيتي في غرب بلفاست، إلى التألق في أهم المهرجانات الدولية، ومواجهة اتهامات بدعم الإرهاب في محاكم لندن، الهوية المعقدة والمتطورة للجيل الجديد في إيرلندا الشمالية. إقليم ما تزال بريطانيا تحتله بعد أكثر من مئة عام على انسحابها من بقيّة الجزيرة، وقيام جمهورية إيرلندا في 1922.

 

طبيعة الفرقة، وموسيقاها، وخياراتها في الكلمات تتجاوز الانقسامات الطائفيّة التقليدية التي خلقتها بريطانيا في إقليم شمال إيرلندا (بين الكاثوليك الوطنيين والبروتستانت المؤيدين لبريطانيا)، لتضيء على قضايا معاصرة يتجاهلها الإعلام التقليدي مثل الفقر، والفصل العنصري، والطائفية، والحرمان الطبقي، والتضامن الأممي مع نضالات الشعوب ضد الاستعمار. وتتزايد أهميتها كقناة للتعبير لمجتمع لم يتعاف من القمع البريطاني الشديد للإيرلنديين الشماليين المطالبين بالحرية، بعدما كُبلت الأحزاب الجمهوريّة باتفاقات سلام، وتخاذلت الحكومات البرجوازية في دبلن، والمتحالفة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عن المطالبة باستعادة المقاطعات الست المحتلة في أقصى الشمال الشرقي للجزيرة كجزء من إيرلندا حرّة موحدة.

 

تأسست الفرقة عام 2017 في غرب عاصمة الإقليم بلفاست، من قبل ثلاثة شبان يتحدثون اللغة الإيرلندية كلغة أم: مو تشارا، موغلاي باب، ودي جي بروفاي. وقد لمع نجمهم في موسيقى الرّاب السياسية التي تمزج بين السخرية السوداء، والدفاع عن الثقافة الوطنية الإيرلندية، ومتاعب الحياة اليومية للطبقة العاملة… كل ذلك بلغة هجينة من الإيرلندية والإنكليزية. واسمها مشتق من «عظمة غطاء الرُّكبة» وهي المنطقة التي كان يستهدفها الجنود البريطانيون في أرجل الشبان الإيرلنديين لشلّ حركتهم.

 

لقيت أعمال الفرقة بخطابها التغييري، وثقافتها المضادة، قبولاً فورياً بين الشبان الإيرلنديين خصوصاً من هم دون الـ30 عاماً، فحقّقت حفلاتها مبيعات كاملة، واستضافتها أهم المهرجانات الموسيقية على جانبي الأطلسي. كما فاز فيلم يحمل اسم الفرقة، ويروي سيرة صعود نجومها إلى الشهرة بجائزة «بافتا» في شباط (فبراير) الماضي، ودخل تاريخ السينما بوصفه أول فيلم باللغة الإيرلندية يُعرض في «مهرجان صندانس السينمائي» (2024)، لكنها أثارت حفيظة السلطات البريطانية، وبعض الدوائر المحافظة في إيرلندا الشمالية ذاتها.

 

اعتراض كير ستارمر

وكان رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، قد وصف كلمات أغنيات «ني كاب» وشعاراتها بأنها «غير مقبولة كلياً»، في حين أقدمت الوزيرة السابقة كيمي بادينوخ على منعها من الإفادة من منحة حكومية، قبل أن تنقض محكمة هذا القرار، وتحكم لمصلحة الفرقة العام الماضي. وتبرّعت «ني كاب» بالتعويض المادي الذي حصلت عليه من القضاء لمصلحة جمعيات خيرية في إيرلندا الشماليّة.

 

على أن الخلفية الأعمق لهذا العداء للفرقة تأتي من مواقفها الصريحة تجاه حرب الإبادة في غزة. في عرضها خلال «مهرجان كوتشيلا الأميركي» في نيسان (أبريل) الماضي، رفعت شاشة ضخمة ظهرت عليها عبارة: «إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، بدعم من الحكومة الأميركية. اللعنة على إسرائيل، الحرية لفلسطين». وقد أثار هذا الموقف حينها ضجة واسعة، ودعت الإعلامية الشهيرة شارون أوزبورن إلى إلغاء تأشيراتهم وطردهم من الولايات المتحدة، لتتبع ذلك موجة من إلغاء الحفلات، منها عروض في ألمانيا، وكورنوال، وهددت شخصيات سياسية يمينية موالية لإسرائيل بالعمل على حظرهم من مهرجان «غلاستنبري».

 

لكن النتائج كانت عكسية: تضاعفت مبيعات تذاكرهم، وبرمجت مهرجانات أخرى حفلات لهم في أوروبا وأميركا الشماليّة، ووقّع فنانون كبار رسالة احتجاج ضد «محاولة الإسكات»، وتجدّدت الدعوات بين المثقفين لاعتبار معركة ني كاب معركة من أجل حرية التعبير.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

محمد رمضان وهيفاء وهبي في حفل مشترك لأول مرة ببيروت

يلتقي النجمان المصري محمد رمضان واللبنانية هيفاء وهبي لأول مرة على خشبة المسرح في حفل غنائي ضخم سيُقام في العاصمة اللبنانية بيروت يوم 23 أغسطس ...