آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » في يومها العالمي… الموسيقا لغة الكون الأولى وأسرار الحضارات

في يومها العالمي… الموسيقا لغة الكون الأولى وأسرار الحضارات

تعال لنُصغي للغة وُلدت قبل اللغة، لدهشة الكون الأولى، هيّا نلتفتُ لنقرة ‏حجر فوق حجر، أو لشجنِ قصبةٍ على ضفاف نهرٍ تائه. دعنا نلتفتُ لأول ‏من تطلع إلى السماء، ولمّا ارتعش فؤاده غنى.‏

الموسيقا لسانُ هيّاب ضل دربه، أو لعلها خطاب عاشق ما أشبعته ‏المفردات. ليست النغمات اختراعاً أو اكتشافاً بل لغزٌ أراد كشف خباياه ‏عبر عظمة نسر مثقوبة أو قصبة جافة أو وجه طبولٍ إفريقية حول نيرانٍ ‏مقدسة، أو حتى سوناتات بيتهوفن فوق خشبات المسارح العالمية. هناك ‏حيث وشت الموسيقا بأسرارها — ترف كانت أم صوت للحياة لا يهم .. ‏تعال لنغمض على الرسالة السرية لهذا العالم.‏

مهد الموسيقا

مملكة أوغاريت السورية مهد التدوين الموسيقي في العالم، هناك اكتُشفت ‏أقدم القطع الموسيقية المدونة التي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ‏متقدمة بذلك على سلم فيثاغورس بألف سنة. اكتُشفت هذه التدوينات عام ‌‏1948، وتضمنت 36 أغنية أطلق عليها اسم “الأغاني الحرانية”، من ‏بينها ترنيمة “نيغال” آلهة القمر الحزين، والتي تعكس روح الموسيقا ‏الأوغاريتية. تم تدوين هذه الموسيقا حوالي عام 1400 قبل الميلاد على ‏ألواح طينية بالخط المسماري.‏

سأغتسل، وأتطهر من أدران الخطيئة. ‏

لم تعد الذنوب تظللني، ولا حاجة لتغيير مساري

قلبي الآن مطمئن، بعدما أتممت نذري. ‏

ستكرمني سيدتي، وتجعلني قريباً من قلبها

فنذري يكسو زلاتي، ويحل زيت السمسم بديلاً مني.‏

‏ في حضرتك، اسمحي لي بالاقتراب، ‏

فأنتِ تهبين الخصوبة للعاقر، وترفعين سموّ الحبوب ‏

إنها الزوجة التي ستحمل الأبناء إلى أبيهم،

‏ تلك التي لم ترزق بأطفال بعد.‏

تشير الأدلة الأثرية والنصوص المسمارية إلى أهمية الموسيقا في ‏المجتمع السومري القديم. فقد كان الموسيقيون يحظون بمكانة اجتماعية ‏مرموقة، كما يتضح من قيثارة أور الذهبية وغيرها من الآلات الموسيقية ‏المكتشفة في المقابر الملكية. كذلك تكشف الألواح المسمارية والتمثيلات ‏المصورة عن استخدامات الموسيقا في الطقوس الدينية والترفيه، ما يؤكد ‏دورها الحيوي في حياة السومريين. ‏

ما فتئت الحضارة السومرية السبّاقة في إبداع أغنيات الحب وأشعاره، ‏وهو ما يثبته الفصل الثالث والعشرون من كتاب “ألواح سومر”. كما ‏وجدت أغنية حب أخرى، مكتوبة على ألواح تخص الحضارة السومرية.‏

أيها العريس

جمالك باهر، حلو، كالشهد، ‏

لقد أسرت قلبي ‏

وها أنا أقف بحضرتك ‏

خائفة، وجلة، مرتعشة،

‏ فخذني إليك.‏

بدورها الموسيقا في مصر القديمة لعبت دوراً مهماً في الحياة الدينية ‏والاحتفالية، واستخدمت في الطقوس الروحانية والمناسبات الملكية ‏والاجتماعية. ومن أبرز الآلات الموسيقية المستخدمة كانت آلة الهارب ‏أو القيثارة، والتي ظهرت في النقوش والرسومات داخل المعابد والمقابر. ‏أما السمسمية، فهي آلة وترية شهيرة في التراث الشعبي المصري، ‏وخاصة في مدن القناة، وارتبطت بالمقاومة الشعبية.‏

في الصين القديمة، اعتقد الحكماء أن اختلال نغمة واحدة في اللحن قد ‏يعني خللاً في الكون. ولطالما اعتبرت الموسيقا الصينية علماً متداخلاً مع ‏الفلك والطب وكأنها خريطة داخلية للروح.‏

حكايات غريبة

في العصور الوسطى، اعتقد العلماء الموسيقيون أن ثمة فاصلاً صوتياً ‏مُحَرَّماً يمثل تجسيداً للشر في الفن الموسيقي. كان هذا الفاصل المعروف ‏باسم “الثالثة الصغرى” ينشأ عند دمج ثلاث نغمات متتالية، فينتج تنافراً ‏صوتياً قوياً. في ذلك الزمن، اعتاد السامعون على الألحان المتناغمة ‏والنقية، فكان هذا الفاصل الصوتي الحاد بمثابة صدمة لأذن المستمع. ‏لذلك أطلقوا عليه “الشيطان في الموسيقا” ومنعوه تماماً من الترانيم ‏الدينية.‏

وبالانتقال إلى قصر فرساي، عاش جان باتيست لولي، الملحن الإيطالي ‏الذي أصبح أشهر ملحن في بلاط الملك لويس الرابع عشر الملك العاشق ‏للفنون وإغداق الأموال على من يرضيه. لولي بذكائه، استغل الفرصة ‏وأصبح مديراً للأكاديمية الملكية للموسيقا، ليمُنح سلطةً مطلقة على ‏الأوبرا في فرنسا. ويقدم عروضاً تُفتتح بتمجيد الملك. لم يكن لولي ‏ليتوانى عن ضرب الموسيقيين مهيناً إياهم إذا ما أخطئوا، وفي ليلة ‏احتفال بشفاء الملك، أصيب لولي بالتهاب بعد أن ضرب قدمه بعصاه ‏الثقيلة ولشدة غروره رفض العلاج حتى وفاته تاركاً وراءه موسيقا ‏عظيمة وسطوة ما نافسه فيها أحد.‏

أما العازف الإيطالي نيكولو باغانيني المولود عام 1782 في جنوا، فقد ‏برز كأحد أعظم عازفي الكمان في التاريخ. منذ صغره، أظهر موهبة ‏استثنائية، ذلك حين ألف أول مقطوعاته في سن الثامنة. ومع نجاحه، ‏انتشرت شائعات بأنه باع روحه للشيطان الذي علمه العزف. وعززت ‏من هذه الأساطير مظهره الغريب وسلوكياته المثيرة وإدمانه على ‏الكحول. وعندما توفي عام 1840، رفضت الكنيسة دفنه بسبب سمعته ‏السيئة، ما أدى إلى وضع جثته في قبو. قبل دفنه أخيراً في حديقة منزل ‏أحد الباباوات.‏

غرابة ما مرت مرور الكرام عن العظيم شوبان كلما انغمس في تأليف ‏إحدى سوناتاته. إذ بينما كانت أنامله تداعب مفاتيح البيانو، شرعت رؤى ‏غريبة تراوده، مخلوقات غريبة بدت وكأنها تخرج من البيانو وتتجسد ‏أمامه في مشهد حي. لم يتمالك شوبان نفسه، فانتفض من مكانه وغادر ‏الغرفة مسرعاً، باحثاً عن الراحة واستعادة توازنه. تذكر هذه الحادثة ‏كدليل على معاناة شوبان مع الهلوسة.‏

في يومها العالمي تعال لنتوه معاً، في ألبومات الفينيل القديمة، أو بين ‏أشرطة الكاسيت لعل الخدوش بين الأغاني ترجعنا لأمسيات الزمن ‏الجميل. دعنا نقتحم حجرة صغيرة في حارة شعبية، لشاب يعزف على ‏كمان جده، محاولاً تشكيل العالم من وترٍ واحد. لن نحتاج لأي ترجمة ‏ولن نحتفل بأنغامٍ مرتبة، بل بذاكرةٍ حيّة، بحضاراتٍ توارت داخل ‏الإيقاع، وبقلوبٍ خفقت على وتر الألحان.‏

أرواح تساءلت يوماً: “ماذا لو صنعنا للكون لحناً؟”.‏

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

محمد رمضان وهيفاء وهبي في حفل مشترك لأول مرة ببيروت

يلتقي النجمان المصري محمد رمضان واللبنانية هيفاء وهبي لأول مرة على خشبة المسرح في حفل غنائي ضخم سيُقام في العاصمة اللبنانية بيروت يوم 23 أغسطس ...