آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » «سيوف العرب»: متى نتوقف عن تقديس التاريخ؟

«سيوف العرب»: متى نتوقف عن تقديس التاريخ؟

 

المنذر الدمني

 

 

تدور أحداثه بين عصر الجاهلية وبداية الخلافة الأموية، مقدماً قصصاً فردية صنعت انتصارات جماعية، وأخرى كانت شاهداً على انهيارات وهزائم كبرى، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة حول طبيعة مقاربته للتاريخ

 

 

إن السيف العربي عبر التاريخ كان أكثر من مجرد أداة حرب؛ بل كان رمزاً حيّاً يعكس تحولات البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية في الجزيرة العربية.

 

قبل الإسلام، كان السيف تعبيراً مجازيّاً عن آليات الصراع الدائم بين القبائل، أداةً لحسم النزاعات، وإثبات الهيمنة، وصناعة المجد الفردي والجماعي. فالصراع القبلي لم يكن مجرد صراع على موارد أو ثأر قديم، بل كان جزءاً من منظومة شرفية تُقاس فيها قيمة الرجال بما تحمل سيوفهم من دماء الخصوم وما تُحقق من انتصارات.

 

من أداة صراع قبلي إلى رمز لقوة موحَّدة

مع بزوغ الإسلام، تحوّل السيف من أداة صراع قبلي إلى رمز لقوة موحَّدة، يحمل دلالات أعمق ترتبط بفكرة الجهاد والدفاع عن العقيدة والعدل. ولكن دائماً ما كان السيف تعبيراً عن الشجاعة والواجب، وجزءاً أصيلاً من الهوية العربية.

 

 

 

فقد اتخذت السيوف أسماء خاصة، عُرفت بها وارتبطت بقصص وحكايات أبطالها، وورثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، يُقاس مجدها بعدد المعارك التي خاضتها، والانتصارات التي أحرزتها.

 

ولم يكن السيف وحده يصنع التاريخ؛ بل كان جزءاً من ثنائية لا تكتمل إلا بالفارس. فالفارس هو الذي يمنح السيف معناه، يوجهه نحو معارك الخير أو الشر. ومن هنا ظل السيف حاضراً في التراث العربي، سواء في الأمثال، أو الأشعار، أو الحكايات، كرمز للقوة المقرونة بالحكمة، والشجاعة المشروطة بالشرف.

 

ما بين الدرامي والوثائقي

في هذا السياق، يتناول المسلسل الدرامي الوثائقي «سيوف العرب» (إخراج سامر جبر ـــ إنتاج «المؤسسة القطرية للإعلام » ــ متوافر على منصة «شاهد») مجموعة من الأحداث المفصلية في التراث والتاريخ العربي الإسلامي، مسلطاً الضوء على سيوفٍ وسيافين تركوا بصمتهم بشجاعة وبأس في محطات حاسمة من تاريخ الأمة.

 

يقدم العمل قصصاً فردية صنعت انتصارات جماعية، وأخرى كانت شاهداً على انهيارات وهزائم كبرى، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة حول طبيعة مقاربته للتاريخ:

 

هل اكتفى المسلسل بأداء دورٍ توثيقي محض يعرض هذه الحكايات من باب الحفظ والاستذكار؟ أم أنه سعى إلى أن يكون نصاً تحليلياً نقدياً يُعيد قراءة الحاضر العربي في ضوء مرآة التاريخ؟

 

انحرف المسلسل عن محوره المعلن في تقديم «حكايات السيوف» لمصلحة عرض سرديات تاريخية وشخصيات معروفة

 

محاولة الإجابة عن هذا السؤال تدفعنا إلى تأمل طبيعة القصص التي انتقاها العمل، وآليات معالجتها، وبنيتها الدرامية، ونوعها الفني، وهي النقاط التي سنبدأ بتفصيلها.

 

خطّان سرديان متوازيان

يُقدّم المسلسل حكاياته عبر خطين سرديين متوازيين: الأول يحمل البُعد الوثائقي المباشر، عبر صوت الراوي (جمال سليمان)، الذي يتولى تقديم الشخصيات والأحداث في بدايتها، ثم يتابع سرد المحطات الأساسية التي تساعد على فهم السياق التاريخي. ويختتم بعرض الدلالات والعِبر المستخلصة من هذه الوقائع.

 

أما الخط الثاني، فيحمل البُعد الدرامي، حيث تُروى الحكاية عبر مشاهد تمثيلية يؤديها عدد من الممثلين، من بينهم باسم ياخور، سلوم حداد، رهام القصار، ونضال نجم.

 

من المسلسل

من المسلسل

 

ومن المفترض أن يمنح هذا الخط الشخصيات التاريخية الجامدة بُعداً إنسانياً معاصراً، يجعلها أقرب إلى المتلقي، عبر صراعاتها وانفعالاتها ومواقفها، ليخلق نوعاً جديداً من العمل الوثائقي الدرامي، القائم على الوثيقة كمصدر أساسي للأحداث، من دون التخلي عن دور الراوي، بل بمحاولة الجمع بين السردين لتقديم الحدث التاريخي في قالب فني مبتكر يخلّص المادة التاريخية من جمودها ويقدمها في قالب درامي يفتح مساحة للنقد والسؤال والمعرفة.

 

لكن يبقى السؤال: هل نجح العمل في تحقيق هذا التوازن وتقديم قراءة درامية وثائقية فاعلة للتاريخ؟

 

إشكالية متجاهلة

في الحلقات الأربع الأولى، ظلّت الأحداث التاريخية محصورةً في بُعدها السطحي المألوف، ولم تُقدَّم الحكايات بصراع درامي حقيقي يغوص في تعقيدات الشخصيات أو إشكاليات السياق التاريخي.

 

اعتمد العمل على العبرة المباشرة ذات الطابع التلقيني، كأنما استُخدمت الوثيقة التاريخية كوسيلة لتمرير حِكم ومواعظ تعزّز الصورة القدسية للتاريخ، منزوعةً من أي بُعد تحليلي نقدي.

 

على سبيل المثال، تستعرض الحلقة الأولى حكاية سيف الصمصامة وفارسه عمر بن معد يكرب عبر مشاهد متفرقة ومتباعدة من حياته، تُظهره في الجاهلية فارساً لا يُقهر بقوته وشجاعته، ثم تسلّط الضوء على فساده الأخلاقي حين قتل رجلاً واستولى على زوجته، وقتله لابنه لاحقاً.

 

 

بعد ذلك، ينقلب حاله بدخوله الإسلام، ويُصوَّر كمحارب جسور كان من بين أسباب انتصار المسلمين في معركة القادسية ضد الروم.

 

تُقدَّم شخصية عمر على أنه جبار فيه مسحة مروءة، لكن الإسلام غيّره وأعاد تشكيله ليصبح «سيفاً في وجه الظلم».

 

وتنتهي الحلقة بمونولوج طويل يشكر فيه ربه على نعمة الإسلام. إلا أنّ الحلقة تتجاهل واحدة من أعقد مراحل سيرة عمر بن معد يكرب وهي ارتداده عن الإسلام بعد وفاة النبي ومشاركته في حروب الردة زمن الخليفة أبي بكر، قبل أن يعود إلى الإسلام من جديد.

 

ورغم تشكيك بعض الروايات بهذه المرحلة، إلا أنها حاضرة في المصادر ذاتها التي أوردت سيرته ومشاركته اللاحقة في معركة القادسية.

 

هذه المرحلة، بما تحمله من صراع درامي وإنساني حقيقي، لم يتطرق إليها المسلسل لا في الخط الدرامي ولا في سرد الراوي، ما جعل الحكاية تبدو مجرد قصة تاريخية جامدة تنحصر ذروتها الدرامية في مشهد دخوله الإسلام، من دون أن تستثمر اللحظات الأكثر إثارة للجدل في مسيرته الشخصية والتاريخية.

 

حادثة سقوط بغداد

في الحلقة الثالثة أيضاً، يعرض المسلسل حادثة سقوط بغداد وانهيار الدولة العباسية في زمن الخليفة المستعصم بالله على يد المغول، وهي واحدة من أكثر الكوارث المأساوية في التاريخ العربي، بما خلفته من مجازر مروّعة، ودمار للمدينة، وحرق مكتبة بغداد الكبرى التي كانت تعدّ من أهم خزائن المعرفة في العالم الإسلامي.

 

 

 

إلا أنّ المسلسل يعالج هذا الحدث الجلل معالجةً سطحية مبتورة، اختزلت أسباب السقوط في صورة تقليدية مبسّطة، تُرجع انهيار الدولة إلى «فساد» الخليفة وانغماسه في اللهو والشراب، وخيانة وزيره الطامع بالحكم.

 

لم يحاول العمل التوغّل في تحليل الأسباب العميقة التي أدت إلى انهيار الدولة، من تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية بنيوية، كانت تشي بضعف المركز العباسي منذ عقود طويلة.

 

اقتصر الخط السردي على استخدام عبارات رنانة تُعيد إنتاج خطاب تاريخي تقليدي، يقوم على ثنائية مبالغ فيها بين «الشرّ المطلق» و«الضعف التام»، ما أدى إلى تقديم شخصيات مسطّحة وأحادية البعد، خالية من التعقيد الداخلي أو الأبعاد الإنسانية العميقة، مع أداء مليء بالكليشيهات.

 

بذلك، يُهدر العمل فرصةً ثمينة لاستثمار البُعد الوثائقي للدراما في طرح تساؤلات نقدية حول طبيعة التحوّلات التي طرأت على الشخصية العربية في تلك الحقبة، وإعادة مساءلة التاريخ بمنطق إنساني وتحليلي معاصر.

 

حصار الصليبيين دمشق

في هذا السياق السطحي أيضاً، قُدّمت شخصية خولة بنت الأزور في الحلقة الثانية، التي تناولت حصار الصليبيين في دمشق من قِبل المسلمين، كما ظهرت شخصيتا قطز وبيبرس في الحلقة الرابعة، التي تناولت معركة عين جالوت بين المماليك والمغول.

 

 

 

وباستثناء بعض اللقطات التي تناولت السيوف وصناعة السيف الدمشقي المنحني في الحلقة الثالثة، فإن المسلسل، بعد حلقته الأولى، انحرف عن محوره المعلن في تقديم «حكايات السيوف»، لمصلحة عرض سرديات تاريخية وشخصيات معروفة، ما أضعف خصوصية زاوية التناول التي بُشِّر بها في مقدمة العمل، وقلّل من فرادته.

 

إن هذا الاختزال في تناول الوثيقة التاريخية يعكس أزمة أوسع في الدراما التاريخية العربية، إذ غالباً ما يُعاد إنتاج المرويات المنتقاة من دون مراجعة نقدية أو استكشاف لمناطق الظلّ والجدل فيها، ما يحرم العمل الوثائقي-الدرامي من أداء دوره كمحرك معرفي معاصر قادر على قراءة الماضي بما يتجاوز الاستذكار السردي إلى مساحة التحليل والمساءلة.

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

آمال سعد الدين ترد بحزم على الحملات ضدها وضد زوجها قاسم ملحو: “ضميرنا مرتاح”

خرجت الفنانة السورية آمال سعد الدين عن صمتها لتضع حدًا للشائعات والتهم التي طالتها وزوجها الفنان قاسم ملحو مؤخرًا، بعد انتشار منشورات مزيفة على مواقع ...