آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » الهنود الحمر… «ترسانة» أميركا الدموية

الهنود الحمر… «ترسانة» أميركا الدموية

 

علي سرور

 

«توماهوك»، و«أباتشي»، و«بلاك هوك»، و«شينوك»، و«لاكوتا»… جميع هذه المعدّات العسكرية تشير إلى قبائل من شعوب أميركا الأصلية أبادتها الآلة العسكرية الأميركية ذاتها قبل قرنين!

 

 

لا يتوقّف التاريخ الاستعماري للولايات المتحدة عند صفحات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد السكّان الأصليين في القرون الماضية، بل يمتدّ إلى يومنا هذا.

 

إذ تتجلّى إحدى أكثر الممارسات إثارةً للجدل برمزيتها الجارحة، في إطلاق الجيش الأميركي تسميات على عتاده العسكري ترمز إلى أسماء تلك الشعوب التي تعرّضت للإبادة والاقتلاع على أيدي الدولة نفسها.

 

مشهد يبدو في ظاهره استحضاراً «فولكلوريّاً» لصفات الشجاعة والبأس، لكنّه في عمقه تجسيد فجّ لإرث العقلية الإمبراطورية الأميركية، التي تستعير رموز ضحاياها لتطبعها على أدوات قتل جديدة، تُستخدم هذه المرّة في غزوات خارجية ضد شعوب أخرى.

 

أدوات إبادة… وشعارات «تكريم»

تُطلق الولايات المتحدة أسماء مثل «توماهوك»، و«أباتشي»، و«بلاك هوك»، و«شينوك»، و«لاكوتا» على صواريخ ومروحيات وقاذفات جوية. جميع هذه المعدّات العسكرية تشير إلى قبائل وشخصيات من شعوب أميركا الأصليين الذين واجهوا الآلة العسكرية الأميركية ذاتها قبل قرنين.

 

وفقاً لتقرير يشرح هذه التسميات نشرته «إذاعة صوت أميركا» (VOA)، وهي شبكة حكومية فيدرالية، يُمثّل اسم «توماهوك» فأساً تقليديّاً من تراث شعوب الألجونكوين، كان يُستخدم للدفاع والصيد، واليوم أصبح رمزاً لصاروخ موجَّه يضرب أهدافاً على بُعد آلاف الكيلومترات.

 

أمّا «الأباتشي» فهي لا تعني مجرّد مروحية هجومية، بل يعود أصل التسمية إلى قبيلة مقاومة أظهرت عناداً شديداً في وجه القوات الغازية.

 

حتى اسم «شينوك» الذي يُطلق على مروحية نقل ضخمة، مستعار من شعب شينوك الذي سكن شمال غرب المحيط الهادئ، فيما تحوّلت «لاكوتا» من اسم لأمّة أصلية تنتمي إلى شعوب السيو، إلى مروحية استطلاع في ترسانة الجيش.

 

يعود أصل تسمية «الأباتشي» إلى قبيلة مقاومة أظهرت عناداً شديداً في وجه القوات الغازية

 

 

بدورها، تحمل مروحية «بلاك هوك» قصّة تاريخية لحادثة مروّعة، إذ ترمز إلى اسم زعيم من قبيلة السوك، قاد تمرّداً عسكريّاً ضد التوسّع الأميركي في القرن التاسع عشر، انتهى بمجزرة مرعبة.

 

ووفقاً لموسوعة «بريتانيكا» الأوسع في هذا المجال، وصل الناجون الباقون من القبيلة في آب (أغسطس) 1832، إلى نهر ميسيسيبي محاولين الهرب.

 

لكنّ القوات الأميركية رفضت إعلانهم الاستسلام وفتحت نيرانها بشكل عشوائي على الرجال والنساء والأطفال، الذين حاول من بقي منهم السباحة عبر النهر.

 

إلا أنّ زورقاً حربياً كان في انتظارهم ليجهز على معظمهم. انتهت المذبحة، بحسب الموسوعة، بمقتل ما يقرب من 450 إلى 600 من الأميركيين الأصليين، فيما تمكّن حوالى 70 منهم من النجاة وعبور النهر، ليُقتلوا لاحقاً على أيدي أبناء قبيلتهم المتحالفين مع المستوطنين الأميركيين الجدد.

 

الجدير بالذكر أنّ هذا التقليد بدأ بشكل فردي في عام 1947، بحسب الإذاعة الأميركية، عندما امتعض الجنرال في الجيش الأميركي هاملتون هاوز من الألقاب المستخدمة حينها على المعدّات، مثل «حوّامة الذباب» و«اليعسوب»، ما دفعه إلى تسمية طائرات الهليكوبتر بأسماء قبائل الأميركيين الأصليين، معتقداً أنّها تثير السرعة والقوة وروح المحارب.

 

لكن في ما بعد، شُرّع هذا التقليد بشكل رسمي عبر لائحة تنظيمية صدرت عام 1969 تحت اسم Army Regulation 70–28، نصّت صراحةً على تسمية الطائرات العسكرية بأسماء «قبائل أو شخصيات هندية أميركية»، بحجّة أنّ هذه الأسماء توحي بـ«المرونة والعدوانية والشجاعة» وتثير «الخيال والاعتزاز».

 

ورغم إلغاء هذه القاعدة رسميّاً في العقود الأخيرة، إلّا أنّ التقليد ما يزال حيّاً ومستمرّاً، حتى بات يشكّل جزءاً من الهوية البصرية واللغوية للقوات المسلحة الأميركية.

 

استعمار مزدوج: محو داخلي وتغوّل خارجي

لكنّ هذه الممارسة، التي يروّج لها بعضهم بوصفها «تكريماً لروح المحاربين»، تُعدّ في نظر كثير من السكّان الأصليين الأميركيين والعلماء والحقوقيين فعلاً استفزازيّاً قائماً على استعمار ثقافي مضاعف.

 

ذلك أنّ الدول الاستعمارية عبر التاريخ عمدت إلى طمس أو محو هويّات الشعوب التي أخضعتها، فيما تتفرّد الولايات المتحدة باستخدام تلك الهوية نفسها في تسمية أدوات القتل، كأنّها علّقت رموز ضحاياها على جدران متحف للغنائم.

 

والجدير بالذكر أنّه في الوقت الذي يُزجّ فيه باسم «لاكوتا» على مروحية تجسّس، تكافح قبائل اللاكوتا الحقيقية من أجل مياه شرب نظيفة وخدمات صحية أساسية، على أراضٍ نُزعت منهم منذ أجيال.

 

تقليد غير مسبوق

ما يُفاقم فظاعة هذا التقليد الأميركي أنّه لا مثيل له في العالم، كما لا سوابق في التاريخ الحديث لدولة تسمّي أسلحتها بأسماء شعوب أُبيدت أو قاومت جيشها. على سبيل المثال، لا تطلق روسيا اسم «الشيشان» أو «شركس» على صواريخها، رغم تاريخها الاستعماري في القوقاز.

 

ومن جهتها، لا تضع الصين اسم «الإيغور» أو «التّبت» على دباباتها، ولا الهند تسمّي صواريخها «أغني» و«تريشول» و«برثفي» من مفردات هندوسية ترمز إلى النار والأرض والرماح. لا أحد يعيد تسمية أدوات القتل باسم المقهورين على يده، سوى الجيش الأميركي.

 

لا يحمل هذا «التكريم» أيّ قيمة حقيقية تجاه حقوق الشعوب الأصلية، كما لا يُمثّل لها عدالةً تاريخية تشفيها من هول الإبادة الجماعية التي تعرّضت لها.

 

في المقابل، وتحت غطاء ما يُسمّى «الاحتفاء بالمقاتلين»، تختبئ عملية إعادة تدوير للخطاب الاستعماري، الذي يُفرغ رموز الضحية من معناها، ويصوغها من جديد في قوالب عنف جديدة، تُسوَّق للعالم كثقافة قتالية متميّزة.

 

بالإضافة إلى ذلك، تتحوّل الأسماء الرمزية إلى خنجر جديد مغروز في ذاكرة شعب لم يُشفَ بعد من جراح الاستيطان والإبادة المنظّمة، وهو يرى أنّ ثقافته تحوّلت إلى علامة تجارية لطائرات تحمل الموت إلى بلدان أخرى.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

جولة ساحرة عبر أطول 10 أنهار في العالم

لطالما لعبت الأنهار دورًا محوريًا في تشكيل الأرض وحياة الشعوب، فهي ليست مجرد مسطحات مائية بل شرايين الحياة التي تنقل المياه عبر القارات، وتدعم التنوع ...