الإدارة بالأهداف .. حين يصبح الإنجاز هو المعيار

 

 

م.حسان نديم حسن

 

رغم أن الوحدات الإدارية في سوريا هي حجر الأساس في تنظيم الحياة المحلية وتقديم الخدمات إلا أن كثيراً منها ما زال يعمل بأساليب تقليدية تغرقه في التكرار والإجرائية على حساب الفعالية والنتائج. وفي مواجهة التحديات المتزايدة في الإدارة المحلية من نقص التمويل و غياب أدوات التحفيز تبرز “الإدارة بالأهداف” (Management by Objectives – MBO) كنموذج قابل للتطبيق محلياً إذا ما تم تبنيه ومواءمته للبيئة السورية.

 

*من التوصيف إلى التفعيل ..

 

“الإدارة بالأهداف” ليست نظرية إدارية فقط إنما إطار عملي يعيد تعريف العلاقة بين الموظف والمؤسسة ويحول الإدارة من وظيفة انضباط شكلي إلى وظيفة إنجاز فعلي.

يقوم هذا النموذج على عدة مرتكزات:

– تحديد أهداف دقيقة وقابلة للقياس (SMART) على مستوى كل دائرة أو موظف.

– مشاركة العاملين في صياغة هذه الأهداف لتعزيز حس المسؤولية و الإنجاز.

– متابعة دورية وتقويم واقعي للأداء يستند إلى نتائج لا إلى افتراضات.

– ربط الأهداف بالحوافز ضمن منظومة شفافة للتحفيز والمساءلة.

إن الأثر التراكمي لهذه الإجراءات قد يكون جوهرياً في إصلاح مسارات العمل داخل مجالس المدن والبلدات و البلديات السورية.

 

*واقع العمل الإداري المحلي: تشخيص ما قبل العلاج ..

 

من خلال مراجعة نماذج العمل في عدد من الوحدات الإدارية يظهر أن معايير تقييم الأداء لا تزال فضفاضة والقرارات غالباً ما تبنى على الانطباع لا المؤشر كما أن علاقة الموظف بالإدارة يغلب عليها الطابع التنفيذي المحدود لا التشاركي التفاعلي وهو ما يجعل من أي تطوير داخلي عملية بطيئة ومحدودة الأثر.

في هذا السياق يمكن أن تشكل الإدارة بالأهداف أداة منهجية لتجاوز هذه العراقيل إذا ما جرى تبنيها كمنظومة لا كتعليمات.

 

*نحو تطبيق واقعي في الوحدات الإدارية ..

 

لعل التحدي الأهم في إدخال الإدارة بالأهداف إلى بنية الوحدات الإدارية السورية يكمن في الانتقال من ثقافة “رد الفعل” إلى ثقافة “النتيجة” وهذا يتطلب جملة خطوات أساسية :

– توصيف دقيق للمهام وربطها بأهداف قابلة للرصد.

– تدريب الكوادر الإدارية على بناء مؤشرات الأداء.

– إحداث وحدات داخلية مختصة بقياس النتائج والتغذية الراجعة.

– ربط الأداء الوظيفي فعلياً بنظام الحوافز والعقوبات لا بالتقييمات الشكلية.

ويمكن في المرحلة الأولى تطبيق تجريبي جزئي ضمن بعض الوحدات التنظيمية ذات الطابع الخدمي المباشر ثم تعميم النموذج تدريجياً بعد التقييم.

 

*إصلاح وظيفي أم تحول ثقافي؟ ..

 

تطبيق الإدارة بالأهداف ليس مجرد إصلاح وظيفي بل هو مدخل إلى تحول ثقافي إداري أعمق : من “أداء الواجب” إلى “تحقيق الأثر” و من “الإدارة بالسلطة” إلى “الإدارة بالمؤشرات”.

هذا التحول وإن اصطدم بتراكمات البيروقراطية إلا أنه يبقى سبيلاً واعداً لإعادة بناء و تكريس ثقة المواطن بالمؤسسات الأقرب إليه وهي الوحدات الإدارية.

 

*الفرصة ما زالت ممكنة ..

 

في ظل ما تواجهه الوحدات الإدارية من ضيق اقتصادي وخدمي تبدو الحاجة إلى أدوات تنظيمية واقعية أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى وبدل أن تبقى الوحدات الإدارية رهينة الموارد المحدودة والقرارات المركزية يمكن تمكينها بأدوات إدارية تقيس أثرها وتمنحها مرونة في التعامل مع مجتمعها المحلي.

إن الإدارة بالأهداف ليست وصفة جاهزة بقدر ما هي نقلة في التفكير المؤسساتي تعيد رسم العلاقة بين الموظف والمهمة وبين المؤسسة والمجتمع على أسس من الشفافية والمساءلة والنتائج.

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)