آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أين كنتم من 14 سنة… الذكاء الاصطناعي يعرّيكم

أين كنتم من 14 سنة… الذكاء الاصطناعي يعرّيكم

 

طلال ماضي

أكثر سؤال مستفز يتعرض له السوريون اليوم في مؤسسات الدولة وغيرها: “أين كنتم من 14 سنة؟”، وأحقر سؤال تعرضت له شخصيًا من شخص لا علاقة له بمهنة الإعلام، ولا يوجد في سجله أي مادة صحفية، ويسأل: “أين كنت من 14 سنة؟ ولماذا لم تنتفض بوجه السلطة التي كانت حاكمة؟”

طبعًا، للوهلة الأولى، أخذتُ السؤال بابتسامة ساخرة، ومن ثم انتفضتُ في وجهه، وسألته عن اسمه، وطلبتُ من الذكاء الاصطناعي أن يعطيني تحليلًا عن اسمه، وطلبتُ من غوغل كذلك، وسألته عن الوسائل الإعلامية التي كان يكتب بها. وبعد البحث والتقصي، تبيّن أن “الأخ” ناشط في الحكي العام و”موظف” في السؤال “أين كنت من 14 سنة”، و”موظف فيسبوكي” بالتعليقات المستفزة، يسأل الناس “أين كنتم من 14 سنة”.

أين كنتم من 14 سنة
ولمن يسأل: أين كان الصحفيون من 14 سنة؟ نقول لهم: كانوا مقيّدين بوظائفهم، وعليهم رقيب بالبصمة، وكان هناك جاسوس أحقر على صفحاتهم الخاصة، وكانوا ملاحقين على كل تعليق وكل “لايك”، وكانوا يُعاقَبون على كل رأي وكل مقال. ولمن اختار طريق المواجهة والكتابة باسمه الحقيقي، كان السؤال الدائم: “هل حصلت على موافقة للعمل في وسيلة أخرى؟” كانت العقوبات تنهال على سجلاتهم، وهي من أشد الأنواع، وكانوا يتعرضون للتهديد بما يُسمّى الجريمة المعلوماتية — وما أدراكم ما الجريمة المعلوماتية، كانت السيف المسلط فوق رقابهم.

وبعد كل هذا، يخرج عليهم “موظف درجة خامسة” بصفة “ثوري”، ويسأل: “أين كنتم؟”

الشعب السوري في الطابور
من 14 سنة، والشعب السوري يقف في الطابور: من طابور الدولار إلى طابور البصل، ومن طابور الكاز إلى طابور البنزين، ومن طابور المواصلات إلى طابور السكر والأرز، ومن طابور البرغل إلى طابور الغاز، ومن طابور الجوع إلى طابور الفقر والتعتير وعيشة الذل والخوف والقهر.

من 14 سنة، ننام على خبر فقدان قريب، ونستيقظ على قذيفة حاقدة وتفجير أعمى، وننتظر على الحواجز من يفتشنا عن الهويات، ويُشحَط الشباب إلى الخدمة الاحتياطية باسم الدفاع عن الوطن. لا توجد أسرة سورية ليست مفجوعة بفقيد أو تهديم منزل أو تهجير من منطقة إلى منطقة. ومع ذلك، هناك من يسألك: “أين كنت ؟” من دون أن يفهم ظروفك، وظروف أهلك، وأقاربك، وظروف “جيبتك” الفارغة. يطلبون منك أن تنشق وتغادر خارج البلد، من دون أن يدركوا أنه لم يبقَ سوري في البلد، في حال سمحت له الظروف.

فنصيحة لكل من يسأل هذا السؤال: أن يبحث عن اسمه أولًا، وأن يجري تحليلًا ذكيًا لكتاباته ومواقفه، قبل أن يتجرأ ويسأل هذا السؤال، حتى لا يسقط في الامتحان. وقبل توجيه السؤال لأي مواطن سوري، فليسألنّ عن اسمه، وعمله، وليبحث عن مواقفه قبل السؤال.

فكل صحفي له تاريخ مشرّف، يشهد له الذكاء الإلكتروني بتاريخه، يسألكم فردًا فردًا: أين كنتم ؟ وأين كان أزلامكم ؟ ونصيحة أخيرة لكم: تخلّوا عن هذا السؤال، ووفروا على أنفسكم قذف مواقفكم.
(اخبار سوريا الوطن 2-
(A2Zsyria)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

زلزال في نيويورك

    زياد حافظ   اليوم الرابع والعشرون من شهر حزيران/يونيو 2025 تاريخ زلزال سياسي لم تشهده المدينة ولم تشهده الولايات المتحدة حتى الآن. ونقول ...