المهندس نضال رشيد بكور
في زمن تغيّرت فيه خرائط الصراع ، وتبدّلت فيه أدوات التأثير
لم تعد السياسة حلبة مواجهة فقط
بل غدت مختبراً دائماً لاختبار حدود العقل والكرامة في آنٍ معاً
ومن بين تلك التحولات الكبرى ، يبرز أمام السوريين سؤال لا مفر منه: هل يمكن الانخراط في مسار السلام
بل حتى في المحور الإبراهيمي ، دون التنازل عن الذات؟
فلا حياد في الجغرافيا ولا في المصير
واقعنا كسوريين لم يعد يسمح بالتنظير من أبراج الرفض ، ولا بالشعارات المعلقة في هواء المستحيل .
بلد محاصر ، منهك ، مدمّر اقتصادياً ، ممزق مجتمعياً ، فاقد لأدواته السيادية يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى جرعة من البراغماتية العاقلة التي لا تبيع المبادئ ولكنها لا تموت من أجلها في الفراغ …
إن الدخول في سياق تسوية إقليمية
بل وحتى في مشروع *المحور الإبراهيمي* لا يعني بالضرورة قبولاً بكل مضمونه
بل قد يكون بمنطق الممكن جسراً نحو استعادة الداخل لا نسيان الخارج
بين المبدأ والضرورة :
عقل التوازن لا التبرير
منذ سنوات ، جرى تجفيف موارد السوريين ، وتجريف مؤسساتهم ، وتهشيم نسيجهم الوطني
وفي هذه الأثناء ، برزت قوى إقليمية تصوغ خرائط المصالح ، وتضع معايير القبول … ومن هنا ، ليس عيباً أن تُعاد قراءة التحولات بعيون المستقبل لا خطابات الماضي …
السلام ولو بدا ثقيلاً أو مشبوهاً يمكن أن يكون فرصة تكتيكية لإعادة بناء القوة ولخوض حرب التحرير طويلة النفس من داخل الهدنة ، بدلًا من العيش في لُجّة الموت الرمزي الدائم.
الإبراهيمية : فخ أم منصة؟
المحور الإبراهيمي بكل ما فيه من غموض وإيديولوجيا مغلّفة هو محاولة غربية لإعادة إنتاج المنطقة كفضاء مشترك لليهود والمسيحيين والمسلمين
تُقدّم فيها الهوية الدينية كأداة تسويق للاندماج السياسي والاقتصادي …
ورغم تحفّظنا على توظيف العقيدة لتغطية المصالح ، يمكن لهذا الفضاء ، إن أُدير بوعي ، أن يكون منصة لتقديم الإسلام كدين عالمي مرن ، لا قفصاً مغلقاً يُختزل في العداء فقط
لا تنازل عن الجولان ، ولكن.
الانفتاح على السلام لا يعني إسقاط الحقوق . بل على العكس ، إن تحرير الأرض لا يكون فقط بالبندقية
بل بإعادة ترميم الإنسان واستعادة المجتمع ، وبناء اقتصاد قوي يستطيع التفاوض من موقع قدرة لا حاجة ….
نعم ، نريد الجولان وفلسطين … ولكن كم حرباً خسرنا ونحن نُسقِط المدن بدلاً من أن نُسقط الاحتلال؟
كم جيلاً أضعناه في الترديد بدلاً من التجديد؟!
كلمة أخيرة :
لسنا دعاة استسلام
ولسنا أبواقاً للتطبيع.
لكننا أيضاً لسنا مخلوقات معلّقة خارج الزمن . ومن هنا نقول:
نعم للسلام بشروط السيادة ، لا للتبعية .
نعم للانفتاح دون استلاب .
نعم لإعادة تعريف الممكن في ضوء المصلحة العليا للشعب السوري ، دون بيع الهوية في سوق الشعارات .
فنحن أهل الشام؟؟؟
نعرف كيف نحفظ نار المبدأ مشتعلة ، حتى ونحن نغرف من جليد الضرورة …
(اخبار سوريا الوطن-٢)