عبد اللطيف شعبان
الزيادة الجديدة في الرواتب تختلف عن سابقاتها في العقود الماضية بسبب تميزها بقيمتها النقدية الكبيرة، ويبقى الأمل بتحقق قوتها الشرائية الموازية، خلافا لما حدث في الزيادات السابقة.
فلعقود مضت تمت زيادة الرواتب عشرات المرات ولكن لم يكن لأغلبها القوة الشرائية الموازية التي تجعل منها زيادة فعلية، إذ كانت زيادات تحقق المقاربة بعض الشيء مع ما حصل سابقا أو سيحصل عقبها من زيادات الأسعار، فالراتب الذي كان بمئات الليرات في سبعينات القرن الماضي أصبح بعد الزيادات المتتالية بمئات الآلاف أواخر عام / 2024 / ، ولكن الأسعار التي كانت بآحاد الليرات أصبحت بأكثر من آلافها، ما أضعف القوة الشرائية لتلك الزيادات التي كانت تأتي بعد تزايد كبير في أسعار العديد من السلع والخدمات، عدا زيادات الأسعار الجديدة التي كانت تحدث في الأيام التالية لزيادة الراتب.
فوسطي الراتب الذي كان في أواسط سبعينات القرن الماضي بحدود / 300 / ل س ازداد حتى أصبح بحدود / 300 ألف عند آخر زيادة خلال عام / 2024 / أي كل ليرة من الراتب القديم أصبحت ألف ليرة في الراتب الجديد، ولكن الأسعار ازدادت بأكثر من زيادات الرواتب، فسعر كيلو الخبز المدعوم الذي كان بداية السبعينات بحدود ثلث ليرة سورية أصبح أواخر عام / 2024 / بحدود / 400 / ل س أي كل ليرة في السعر القديم أصبحت / 1200 / ل س في السعر الجديد وكيس الاسمنت الذي كان بداية السبعينات بحدود / 5 / ل س أصبح في نهاية عام / 2024 / بحدود / 100 / ألف أي كل ليرة في السعر القديم قابلها / 20 / ألف في السعر الأخير، وحالة كيلو اللحم مقاربة لذلك، وهكذا للعديد من المواد، ومع ذلك مرت سنوات أحس ذوي الرواتب بعيش كريم، ومكنت بعضهم من بناء مساكن وإحداث منشآت صغيرة واقتناء سيارات، ما تسبب بالتهافت الكبير للعمل الوظيفي.
الزيادة الجديدة جاءت كسابقاتها بعد ارتفاع كبير في أسعار بعض المواد مع بداية / 2025/ ومنها مادتي الخبز وأجور النقل، فكثير من الأسر تستهلك نصف دخلها أو أكثر لمادة الخبز فقط، وأسر كثيرة أوقفت تعليم أبناءها في المدارس والجامعات لعدم قدرتهم على دفع أجور النقل التي ارتفعت كثيرا، وكثير من الموظفين لم يعد يكفيهم راتبهم الشهري لتغطية أجور سفرهم اليومي لدوائرهم، ولكن الزيادة الجديدة المتميزة بقيمتها الكبيرة قياسا بالزيادات السابقة، ستعالج ما سبقها من ارتفاع الأسعار، ويبدو أن لا خشية من أن تعقب هذه الزيادة إجراءات حكومية لرفع أسعار السلع المعنية هي بتحديد سعرها، خاصة وأن السيد وزير المالية خفف من احتمال زيادة في الأسعار، بل وعد بالأفضل حيث قال : هناك إصلاحات وزيادات نوعية أخرى سيتم العمل عليها خلال الفترة القادمة، ستسهم بتحسين مستوى الأجور والرواتب لتصل أو تتجاوز نسبة الـ 400 بالمائة، التي أعلن في وقت سابق أنه ستتم زيادتها على الرواتب والأجور، كما قال بأنه يجري العمل على قرار يتم بموجبه إعفاء الأجور والرواتب من الضريبة.
ولكن تبقى المشكلة قائمة جزئيا بخصوص ارتفاع أسعار السلع التي ينتجها أو يستوردها القطاع الخاص، الذي سيجد نفسه مضطرا لذلك، ليقابل زيادة الرواتب / المستوجبة عليه / التي سيمنحها لعماله قياسا بارتفاع أجور عمال القطاع العام، ولكن السيد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق خفف من احتمال وقوع هذه الزيادة حيث قال أن ارتفاع الأسعار غير مبرر، مشيرًا إلى أن سعر الصرف شبه ثابت والمواد متوفرة بكثرة في الأسواق، وأوضح أن المديرية كثّفت دوريات الرقابة على الأسواق الغذائية وغير الغذائية، لمتابعة الأسعار قبل وبعد مرسوم زيادة الرواتب، علما أن القطاع الخاص سينتعش بسبب السيولة التي ستوفرها هذه الزيادة المتميزة.
يبقى الرجاء الذي يطمح له ذوي الرواتب ألا تقع الحكومة الحالية في أخطاء الحكومات السابقة, وأملهم أن تعمل على اجتناب ارتفاع الأسعار مجددا بما يضعف مكاسب هذه الزيادة المتميزة / والمتبوعة بالوعد الأعلى /، ويتوقعون أن تنتعش أوضاعهم وتنفرج أمورهم بعد الضيق الذي عاينوه، إذ من حقهم أن يتنعموا ببعض الإنصاف إثر الغبن الكبير الذي لحق بهم، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة مراعاة حقوق الآخرين وخاصة شريحة المتوقفة رواتبهم والذين لا مصدر دخل لديهم.
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية / عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع اخبار سوريا الوطن-١)