كريمة دغراش
بين من يتهمها بـ”العمالة”، ومن يرى أنها تمارس حقها المشروع في التعبير، تواصل المعارضة التونسية في الخارج، والتي تضم شخصيات معروفة، إثارة جدل واسع في بلد يعيش على وقع سجالات سياسية متواصلة منذ عام 2021.
وفي الأيام الأخيرة، دعت منظمات غير حكومية متوسطية، في رسالة إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إلى فرض عقوبات على الرئيس التونسي قيس سعيّد ومسؤولين تتهمهم بانتهاك حقوق الإنسان.
وبحسب تقارير صحافية متطابقة، أرسلت لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وفدرالية التونسيين من أجل المواطنة بين الضفتين، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، والمنظمة الأورو-متوسطية للحقوق (يوروميد رايتس)، رسالة إلى الاتحاد الأوروبي طالبت فيها بفرض إجراءات ضد سعيّد، ووزراء حاليين وسابقين، ومسؤولين في الجيش والشرطة وإدارة السجون، بالإضافة إلى أعضاء في السلطة القضائية والبرلمان.
وطالبت هذه المنظمات بتجميد الحسابات المصرفية، وفرض عقوبات اقتصادية، وحظر تزويد تونس بمعدات عسكرية وخدمات مالية، فضلاً عن تجميد التمويلات الأوروبية في إطار ملف الهجرة.
ووفق مضمون الرسالة، فإن “أوروبا لا يمكنها مواصلة الصمت تجاه ما آلت إليه أوضاع حقوق الإنسان في تونس”.
ضغوط خارجية متجددة
وليست هذه المرة الأولى التي تطالب فيها جهات ومنظمات معارضة في الخارج بفرض عقوبات على تونس. فقد سبق أن وجّه أعضاء في الكونغرس الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن، ندّدوا فيها بما وصفوه بـ”توطيد الحكم الاستبدادي وقمع المعارضة السياسية والحريات في تونس”، مطالبين بربط المساعدات الأميركية باستعادة المسار الديموقراطي.
كذلك، أثار الرئيس السابق منصف المرزوقي جدلاً واسعاً حين دعا إلى نقل مؤتمر الفرنكوفونية من تونس العام الماضي، وهو ما خلّف موجة غضب كبيرة داخل البلاد.
ويُعرف سعيّد بمهاجمته المتكررة لمعارضة الخارج، واصفاً تحركاتها بـ”العمالة والخيانة وتشويه صورة البلاد”.
ويعود نشاط المعارضة التونسية في الخارج إلى ما بعد الاستقلال، حين دفع الخلاف بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومعارضه صالح بن يوسف جزءاً من النخبة السياسية إلى مغادرة البلاد ومواصلة نشاطها من الخارج. ومنذ ذلك الحين، لعبت المعارضة بالخارج أدواراً متفاوتة التأثير في المشهد السياسي الداخلي، وإنْ بقي الجدل قائماً حول شرعيتها وفاعليتها.
“تدخّل سافر”
الدعوات الأخيرة أثارت غضباً واسعاً في تونس، حيث اعتبر كثيرون أنها تشكل تدخلاً مباشراً في الشأن الداخلي ومحاولة لتشويه صورة البلاد أمام الخارج.
النائبة فاطمة المسدي طالبت بفتح تحقيق في “شبهة التخابر مع جهات أجنبية” ضد المنظمات التي دعت إلى فرض عقوبات على تونس. وفي تصريح لـ”النهار”، وصفت النائبة التونسية هذه المبادرة بـ”التدخل السافر في شؤون تونس الداخلية”.
وأكّدت أن “البعض ممن وصفتهم بأصحاب الأجندات المشبوهة يحاولون الضغط على الدولة التونسية واستهداف القرار الوطني تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية”.
واعتبرت أن هذه الرسالة تكشف عن “عقلية استعمارية” لا تتوانى عن استخدام سلاح العقوبات ضد الدول ذات السيادة، لمجرّد رفضها الانصياع للإملاءات الخارجية. وأضافت أن القائمين على هذه المبادرة “يسعون إلى تصفية حساباتهم السياسية مع كل من يتمسّك بسيادة القرار الوطني التونسي”.
وعن مدى قدرة هذه المبادرات على تشكيل ضغط فعلي على السلطات التونسية، تقول المسدي إن “الاتحاد الأوروبي مطالب بالترفّع عن مثل هذه الدعوات الابتزازية”، مذكّرة بـ”علاقة الشراكة الاستراتيجية” التي تجمعه بتونس، وبأن “أي خرق لمبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول يُعد انتهاكاً للمواثيق والمعاهدات الدولية”.
بين الاتهامات والحق المشروع
في المقابل، يرى عدد من المراقبين أن تحركات المعارضة في الخارج تندرج ضمن الحق المشروع في التعبير، وأن مخاطبة المنظمات الدولية والحكومات الغربية للضغط على السلطات التونسية يدخل في نطاق “النضال السلمي”، خصوصاً في ظل ما يعتبرونه عجزاً عن التعبير داخل تونس.
ويقول المحلل السياسي المقيم في فرنسا حمدي المزغني، في تصريح لـ”النهار”، إن “هذه التحركات تظل مشروعة وتندرج في إطار ممارسة الحق في التعبير”. ويضيف: “ما يوصف بمعارضة الخارج يتعرض باستمرار لحملات تشويه وتخوين، في حين أنه من حقها التعبير عن مواقفها كجميع التونسيين”.
ويتابع: “قد نختلف حول أساليب هذه المعارضة، لكن ليس من حقنا التشكيك في وطنيتها”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار