إيمان زرزور :
في خطوة تعكس رغبة حقيقية بإعادة تنشيط المشهد الثقافي السوري، أعلنت وزارة الثقافة عن تعيين الشاعر أنس الدغيم مديراً عاماً لمديريات الثقافة والمراكز الثقافية، وهو منصب حيوي يأتي في مرحلة دقيقة تسعى فيها الدولة إلى ترميم النسيج الاجتماعي والارتقاء بالوعي العام بعد سنوات من الحرب والانقطاع.
ويُعرف أنس الدغيم بكونه أحد أبرز الأصوات الأدبية والفكرية السورية في العقدين الأخيرين، إذ جمع في تجربته بين الشاعرية الملتزمة، والانخراط العملي في قضايا الثقافة والهوية والانتماء، وقد لفت الأنظار بحضوره الفاعل في المنتديات والمهرجانات الأدبية داخل سوريا وخارجها، بالإضافة إلى مؤلفاته المتعددة التي تتنوع بين الشعر والنثر والمقالة الأدبية.
وفي أول تصريح له عقب تعيينه، كتب الدغيم عبر صفحته الشخصية:”قرأت مئات المنشورات لأحبابٍ يباركون لي بعملي الجديد في وزارة الثقافة ، حتى قبل أن أنشر أنا، فتأكّد لي ما كنت أقوله دائماً: إنّ محبّة الناس أعلى من أعلى المناصب… لقد تمّ تعييني مديراً لمديريّات الثقافة والمراكز الثقافيّة ، بتكليفٍ من معالي وزير الثقافة، والذي أشكر له ثقته. أسأل الله أن يُعينني في عملي الجديد، واسألوا اللهَ لأخيكم العونَ والتوفيقَ والسداد”.
وُلد أنس إبراهيم الدغيم في 8 تموز/يوليو 1979 في بلدة جرجناز التابعة لمنطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب، ونشأ في بيئة فلاحية متوسطة، داخل عائلة أنجبت عدداً من الشخصيات العلمية والفكرية المعروفة، مثل الشيخ حسن الدغيم، والدكتور محمود الدغيم، والدكتورة صفية الدغيم.
تابع دراسته الثانوية في بلدته بتفوق، وانتقل إلى جامعة دمشق لدراسة الهندسة المدنية، غير أن شغفه بالأدب والفكر دفعه إلى التردد على كليتي الشريعة والآداب، قبل أن يستكمل دراسته لاحقاً في الأردن، ويحصل على بكالوريوس في الصيدلة من جامعة فيلادلفيا عام 2008.
بعد عودته إلى سوريا، عمل في مجال الصيدلة، ثم التحق بالخدمة العسكرية مطلع عام 2011، قبل أن يُعلن انشقاقه عن الجيش السوري في أكتوبر من العام نفسه، ويلتحق بالحراك الشعبي المناهض للنظام، ليصبح لاحقاً من الوجوه الثقافية الداعمة للثورة السورية في منابر الإعلام العربي، وتولّى لاحقاً رئاسة الهيئة التأسيسية لـ “نقابة صيادلة سوريا”، إلى جانب مشاركاته الثقافية والإعلامية.
بدأ أنس الدغيم نظم الشعر منذ دراسته الثانوية، وتجلّت موهبته في مراحل مبكرة، ليحصد أول جائزة أدبية عام 2011 في مهرجان لقاء الأجيال الأدبي بحلب عن قصيدته “أنس نامة”، التي لاقت صدى واسعاً في الأوساط الأدبية.
وقد عرف بشعره المرتبط بالوجدان الثوري والسياسي، وميله إلى الدفاع عن القضايا الإنسانية، ويُظهر إنتاجه تأثّراً واضحاً بكبار الشعراء العرب أمثال المتنبي وأبو تمام والجواهري، إضافة إلى الشاعر الباكستاني محمد إقبال، الذي ترك أثراً بارزاً في تشكيل رؤيته الشعرية.
أنس الدغيم متزوج وأب لثلاثة أطفال، ويقيم منذ عام 2015 في تركيا بصفته لاجئاً سياسياً، حيث واصل نشاطه الثقافي من خلال الكتابة والمشاركة في الفعاليات والمؤتمرات والندوات، وحافظ على حضوره في الساحة الثقافية السورية، رغم الغربة.
يرى كثيرون في تعيين أنس الدغيم إشارة إلى تحول في إدارة العمل الثقافي السوري، باتجاه الاستفادة من الكفاءات الإبداعية الوطنية، والاقتراب أكثر من نبض الشارع والمجتمع،، ومن المتوقع أن يركّز الدغيم في موقعه الجديد على إعادة هيكلة المراكز الثقافية، وتنشيط دورها في المدن والبلدات، وتفعيل الشراكات مع المؤسسات التعليمية والإعلامية، بما يخدم مشروعاً طويل الأمد لإعادة بناء الإنسان السوري عبر الثقافة والفكر والمعرفة.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة