آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » من «روابط القرى» إلى «إمارة الخليل»: إسرائيل تجترّ الفشل الاستعماري

من «روابط القرى» إلى «إمارة الخليل»: إسرائيل تجترّ الفشل الاستعماري

 

أحمد العبد

 

 

تعود إسرائيل، مرّة أخرى، إلى تجريب ما فشلت في تحقيقه سابقاً، أي تأسيس كيانات عميلة تابعة لها في الضفة الغربية، معتقدةً بإمكانية نجاحها هذه المرّة، إذا ما توفَّر لها الدعم الكبير سياسيّاً وماليّاً وعسكريّاً، على غرار العصابات المسلّحة في غزة، كعصابة «أبو شباب». ولطالما سعى الاستعمار لتكريس هذا النموذج في كل مكان يحتلّه، سواء إبّان الانتداب البريطاني، أو لاحقاً الاحتلال الإسرائيلي، حيث ابتُكرت نماذج حكم محلّية تابعة، عمادها نخب مجتمعية كالوجهاء أو العشائر أو العائلات، أو بعض المنبوذين.

 

وتجلّى ذلك، ابتداء، في «فصائل السلام» المسلحة التي شكّلتها قوّة الانتداب البريطاني عام 1938 من عناصر فلسطينيين مناهضين لثورة 1936، أو مستفيدة من الاحتلال البريطاني اقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، أو وقع عليها عقاب فصائل الثورة خلال السنوات التي سبقت تفعيل تلك السياسة. وهكذا، خاضت «فصائل السلام» مواجهات مسلّحة ضدّ رجال المقاومة، وأسهمت في اعتقال عدد كبير منهم، ما أثار عداءً واسعاً تجاهها في الأوساط الشعبية، إلى أن تخلّت عنها بريطانيا وحلّتها.

 

وعادت إسرائيل لتكرار التجربة لاحقاً، عبر تشكيل ما يُعرف بـ»روابط القرى»، وهي فكرة طُرحت على مأدبة عشاء في بيت الشيخ محمد علي الجعبري في الخليل، في تموز عام 1979، من قِبَل الحاكم العسكري لمدينة الخليل يغئال كرمون، وتقضي بضرورة إيجاد قيادات فلسطينية متواطئة مع الحكم العسكري الإسرائيلي، وبديلة لـ»منظمة التحرير الفلسطينية». وهي الفكرة التي تلقّفها آنذاك مستشار الشؤون العربية في الحكم العسكري الإسرائيلي، بال مناحم ميلسون، ليبدأ العمل على تنفيذها في العديد من المدن.

 

والآن، مقابل نموذج «أبو شباب» والعصابات المسلّحة في غزة، يدور الحديث عن محاولات بعض الشخصيات لعب دور مشابه، ولو بأدوات مغايرة، في الضفة الغربية. وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً تحدّثت فيه عن نوايا شخصيات من مدينة الخليل، إعلان توجّهها للتمرّد على السلطة الفلسطينية، والتعاون مع إسرائيل، والاعتراف الكامل بالأخيرة دولةً يهودية، وفق خطّة تقوم على انفصال الخليل عن السلطة، وإنشاء إمارة خاصة بها، تنضمّ لاحقاً إلى «اتفاقات أبراهام».

 

ويقف وديع الجعبري «أبو سند»، ومن خلفه 4 مشايخ لم تُذكر أسماؤهم، خلف مبادرة «إمارة الخليل»، التي وجّهت رسالة إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي، ورئيس بلدية القدس سابقاً، نير بركات، بعدما التقى الأخير بأعضائها في منزله أكثر من 12 مرّة، منذ شباط الماضي.

 

ممّا يثير الريبة أكثر من المبادرة، أن تسريبها يأتي في ظلّ الحديث المتزايد عن الخطّة الإسرائيلية لفرض السيادة على الضفة

 

وطلب هؤلاء من الوزير نقل الرسالة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي لم يهمل المبادرة، بل دعمها بحذر، في انتظار كيفية تطوّرها، بحسب مصادر عبرية.

 

ولم تمرّ ساعات على تسريب التقرير، حتى ضجّت محافظة الخليل، التي ينتمي أصحاب المبادرة إليها، وتداعت عائلاتها وعشائرها إلى عقد اجتماعات وإصدار مواقف. ومن بين هؤلاء عائلة الجعبري التي أعلنت براءتها «التامّة» من التصريحات الصادرة عن أحد أفرادها، مؤكّدة أن الشخص المذكور ليس معروفاً لدى العشيرة، كما أنه ليس من سكان الخليل، وأن موقف العائلة «ثابت في الحاضر والمستقبل، وهو إقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني وعاصمتها القدس»، وهو الموقف الذي أكّدته عائلات الخليل وعشائرها في بيان موحّد.

 

وتشير دلائل كثيرة إلى فشل مبادرات كهذه، خصوصاً أن مَن يقفون خلف فكرة «إمارة الخليل» أفراد، لا يمثّل أيّ منهم عائلات أو عشائر ذات توجّه انفصالي عن السلطة. وهكذا، في ظلّ غياب الحاضنة العائلية والعشائرية، فإن القائمين على المبادرة، وفي حال حظوا بدعم إسرائيلي وبالتفاف بعض الأفراد، سيواجَهون بقوّة في الشارع الفلسطيني، في حين ستجد السلطة نفسها في مواجهة معهم، مستفيدة من موقف وطني وفصائلي وعشائري ومجتمعي.

 

وعلى الرغم من كل ما تقدّم، إلا أن طرح تلك الأفكار في هذا التوقيت، يحمل في طياته خطورة كبيرة، قد تؤشّر إلى المرحلة القادمة في الضفة، والتي سيكون عنوانها إحداث بلبلة داخل المجتمع الفلسطيني وخاصة في مدينة الخليل، التي تمتاز بتركيبة عشائرية تقليدية. ولا تخفي إسرائيل رغبتها في إنتاج نماذج شبيهة بما أقامته في غزة، في الضفة؛ وهنا تحديداً تكمن خطورة المبادرة، إذ إن المستوى السياسي الإسرائيلي على علم بها، ويؤيّدها، وهو ما عبّر عنه عرّابها، مردخاي كيدار، الذي قال إنها «تحقّق حلماً شخصيّاً، وتصحّح خطأ اتفاقيات أوسلو».

 

وممّا يثير مزيداً من الريبة، هو أن تسريب المخطط يأتي في ظلّ الحديث المتزايد عن نية إسرائيل فرض «سيادتها» على الضفة الغربية، وفق ما يطالب به قادة المستوطنين يومياً. ولذلك، ليس مستبعداً أن تتعامل إسرائيل مع المبادرة كجزء من مخطّط ضمّ 65% من مساحة الضفة، وتحويل المساحة المتبقّية إلى 20 كانتوناً فلسطينياً منعزلة جغرافيّاً، من خلال شبكة من الحواجز والبوابات العسكرية، وسياسيّاً بحيث لا يمكنها تشكيل كيان موحّد.

 

وتتماهى هذه المبادرة مع طروحات اليمين المتطرّف الذي يناقش، منذ سنوات، سيناريوات مستقبل الضفة الغربية، وفق قاعدة إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية كـ»إدارة بلديات محلية»، بعيداً من حملها أيّ هوية وطنية أو مطالب سياسية. كما أنها تخدم الإستراتيجية الإسرائيلية التي تُنفّذ على أرض الواقع من خلال تفتيت الجغرافيا الفلسطينية، وهو ما نجحت فيه تل أبيب إلى حدّ بعيد إلى الآن، لتأتي المبادرة وتقدّم الغطاء الإداري له، من خلال الاستعداد لإعلان «إمارة الخليل».

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مزارع شبعا… وثائق تكشف هويتها

  منال شعيا   مزارع شبعا قضية شائكة ومزمنة. تتبدّل الأنظمة والعهود، وتبقى موضع نزاع وأخذ ورد. حديثا، لفت موقف للنائب جميل السيد كتب فيه ...