*يقول د. هادي خليل(دكتوراه في الاقتصاد المصرفي والمالي – جامعة أورليان – فرنسا-رئيس قسم العلوم المالية و المصرفية في كلية الاقتصاد- جامعة طرطوس)
يمكن القول بأن هناك عدة أدوات تحكم علاقة المصرف المركزي بالمصارف التجارية وهي الأدوات الكمية والنوعية المعروفة لجميع المهتمين في الشأن
ويضيف خليل: غياب الوضوح في تحديد المتغير المستهدف يحد من فعالية هذه الأداة. بالنظر إلى الأدوات الكمية التقليدية الأخرى نجد غياب تام لقنوات أخرى مرنة مثل عمليات السوق المفتوحة وهو أمر مفهوم في ضوء ضعف ما نطلق عليه الأنشطة المصرفية السوقية وهو أمر يعود بالدرجة الأولى إلى عدم نضوج السوق المالي في سورية و من ناحية أخرى إلى عدم القيام الجدي بإصدار اوراق مالية حكومية بالحجم المناسب والمطلوب للتأثير على المتغيرات النقدية في سورية.
وبالنظر إلى بيئة المصارف بشكل عام نجد ضعف معدلات الإقراض خلال السنوات الماضية وهذا مترافق مع سيطرة مطلقة لظاهرة التضخم الركودي فالاقتصاد السوري لم ينجح في تسجيل معدل نمو موجب منذ الربع الاول من عام 2021. فعدم فاعلية الروابط آنفة الذكر والتي تربط بين المصرف المركزي والمصارف التجارية يؤدي إلى عدم فعالية الادوات والقنوات النقدية في تحقيق أهدفها النقدية الوسيطة و الاقتصادية النهائية. هذا الأمر واضح جدا خاصة عندما نشاهد مكونات ميزانيات المصارف الخاصة في سورية، حيث نرى نسب عالية من الاحتياطيات الفائضة والأمر الملفت للنظر النسبة العالية جدا لنسبة كفاية رأس المال وهي نسبة تتجاوز بشكل كبير النسبة المقترحة من قبل لجان التنظيم البنكي الدولية وهو برأيي لا يدل على سلامة الوضع المالي للمصارف بقدر ما يدل على عدم قيام القطاع المصرفي بدوره المناسب في تغذية الاقتصاد بالسيولة المطلوبة. أمر آخر يجب لفت النظر إليه هو النسبة المرتفعة للأرباح غير التشغيلية المصرفية وهو أمر يعود أيضا إلى ضعف كفاءة النشاط التقليدي المصرفي في الوساطة بين المدخرين والمستثمرين اصحاب الحاجة للاموال، وهو أمر غير مفهوم في ظل ضعف ارتباط المصارف بأنشطة السوق غير الفعال أصلاً.. برأينا أي إجراء من قبل المصرف المركزي يجب أن يلاحظ هذه الأرقام ويسعى لإيجاد الادوات المناسبة للتأثير عليها.
وفيما يتعلق بفرض إجراءات وقيود على النقد المحلي قال الدكتور خليل: هو أمر مفهوم في ظل ارتفاع مؤشر نقدي حساس وهو نسبة العملة في التداول إلى إجمالي الودائع والتي تصل أحيانا إلى 190 %. هذا يعود بالدرجة الاولى إلى عدم سيادة الوعي المصرفي سواء من ناحية عرض الأموال وأيضا تتجلى المستويات المنخفضة من الوعي المصرفي من ناحية الطلب على الأموال وهذا بالدرجة الأولى بسبب عدم نجاح شركات القطاع الحقيقي في إقناع المصارف بجدوى مشاريعهم وبالتالي جدوى الحصول على القروض، والدليل على ذلك المعدل المنخفض جدا لنسبة القروض إلى إجمالي الودائع في جميع المصارف التقليدية السورية. والمشكلة ليست في جانب مصادر التمويل لدى المصارف إنما باستخدامات هذه الأموال.
وتابع قائلاً : إذا راجعنا الإجراءات المعتمدة حاليا نجد انها تتمحور في كيفية ضبط عمليات السحب من هذه الودائع، وهو أمر مفهوم ومطبق في جميع البلدات التي تتعرض لأزمات اقتصادية فما بالنا إذا كنا نتحدث عن حرب اقتصادية واجتماعية وعسكرية تشن على بلدنا، وهو امر عائد بالدرجة الأولى كأداة للتحكم في العرض النقدي المحلي بمقابل الطلب الكبير والمتزايد على النقد الأجنبي. لكن كان من الأنجع التركيز في الإجراءات على جانب استخدامات المصارف واستثماراتها من حيث تشجيعها على توجيه هذه الودائع إلى القطاع الحقيقي، خاصة عندما نتكلم عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهو أمر يجب البدء به على الفور. يجب إعطاء أولوية قصوى لحاضنات الأعمال و لبنوك التمويل الصغير وهذا لن يتحقق دون زيادة ثقافة الإقراض في جانبي العرض والطلب على الأموال التي تحدثنا عنها.
*مقاربة جديدة للسياسة النقدية في سورية
اما الدكتور ذوالفقار علي عبود (كلية الاقتصاد بجامعة طرطوس)فيقول رداً على اسئلتنا:
1- هناك أسباب موضوعية لتذبذب سعر صرف الليرة، تتعلق بالحرب والحصار الخارجي، والإجراءات وحيدة الجانب علينا وعلى الحلفاء، أدت إلى تراجع الإنتاج في بعض القطاعات، وتجميده في قطاعات أخرى، وزيادة في تكاليف تأمين البدائل المحلية.
وقد ظهرت نتائج ذلك في زيادة الاستيراد وتراجع التصدير وتجلى ذلك في حدوث عجز كبير في الميزان التجاري.
2- من الأسباب الموضوعية الأخرى، والتي كان تأثيرها غير مباشر، التغيرات الدولية في أسعار العملات والسلع الاستراتيجية وبعض الخدمات والمواد الأولية ولا سيما أسعار النفط والغاز.
3- هناك أسباب محلية تتعلق بطريقة إدارة الأزمة، والهدر في المال العام، والفساد الإداري والمالي، وضعف الخبرة لدى بعض المسؤولين، وهذه الأسباب أرخت بظلالها على السياسة المالية والنقدية.
4- وهناك أسباب محلية تتعلق بالتهرب من تطبيق التشريعات، كالتهريب عبر المنافذ الحدودية الرسمية، والتهرب الضريبي بأنواعه، والتي تم تقدير مبالغه بحوالي 160 مليار ليرة، تسربت من الخزينة العامة للدولة.
5- المضاربون على الليرة بأنواعهم، سواء الساعين نحو مراكمة الثروات، أو المرتبطين بجهات معادية، أو الخائفين من تدهور القدرة الشرائية لثرواتهم، يضاف إليهم تجار الحرب وأتباعهم وأدواتهم.
6- عدم شفافية السياسة المالية والنقدية، وهذا ينعكس في هيمنة سلوك القطيع وعدم الاطمئنان من هذه السياسة.
وبشأن اقتراحاته للمعالجة أجاب الدكتور عبود: هناك مجموعة من الإجراءات يمكن اتخاذها على المدى القصير والمتوسط، لزيادة إيرادات إضافية للخزينة، والسيطرة على معدل التضخم في سورية، ومنها على سبيل المثال:
1- زيادة الفائدة على الودائع، سواء بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية، ولتصل إلى 20% مقابل أجل محدد، وهذا ما يشجع الأفراد على إيداع أموالهم في المصارف وهنا لا بد من بيئة تشريعية مشجعة تضمن للمودعين حرية سحب مدخراتهم عند الطلب ودون سقف. وعلى الحكومة توظيف هذه الودائع في مشروعات تنموية وليس في إعادة إقراض.
2- تقنين منح القروض إلا للمشاريع التنموية التي تحرك عجلة الاقتصاد الوطني وربط الإقراض بالإنتاجية.
3- إصدار سندات خزانة من قبل المصرف المركزي لامتصاص الفائض من كتلة العرض النقدي في السوق.
4- حصر استيراد السلع التي لا يمكن إحلال بدائل محلية مكانها بيد الدولة أو أية جهة أو هيئة تابعة لها.
*
رجل الأعمال سامر عبد الله رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة وصناعة طرطوس أجاب على مجمل تساؤلات (الوطن)بالقول: