يعدّل العدو خرائط الانسحاب تحت ضغط الوسطاء، فيما ترفض المقاومة الالتفاف على جوهر الاتفاق وترفض تكريس الاحتلال بغطاء تفاوضي.
بعد جمود ألقى بظلاله على مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة في اليومين الماضيين، عادت عجلة التفاوض إلى الدوران من جديد، مع تقديم الوفد الإسرائيلي خرائط مُحدّثة لانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، والذي يُفترض أن يتمّ أثناء مدّة الهدنة المؤقّتة. وتزامناً مع هذا التطوّر، وصل رئيس «المخابرات العامة» المصرية، اللواء حسن رشاد، إلى العاصمة القطرية الدوحة، في إطار الجهود المتواصلة من الوسطاء لإنقاذ المفاوضات من الانهيار، بعدما دخلت مرحلة بالغة الحساسية.
وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإنّ رشاد عقد سلسلة لقاءات مكثّفة مع مسؤولين قطريين، في مقدّمهم وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن، إضافة إلى اجتماعات مباشرة مع الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي. ووفقاً للمعلومات، فإنّ الجهود المبذولة حالياً، تستهدف ليس تقريب وجهات النظر فقط، بل صياغة نص اتفاق نهائي قابل للإعلان في غضون أيام، شريطة تجاوب الجانب الإسرائيلي معه، لا سيّما في ما يتعلّق بخريطة الانسحاب.
وعلى المقلب الإسرائيلي، أكّد مسؤولان تحدّثا إلى موقع «i24» أنّ مباحثات مكثّفة تجري حالياً مع فرق الوساطة القطرية والمصرية في الدوحة، تتناول «تفاصيل خرائط انسحاب الجيش الإسرائيلي أثناء الهدنة». ووفق ما نقل موقع «أكسيوس»، فإنّ «إسرائيل قدّمت خريطتها الثالثة حتى الآن، وهي تشير إلى تقليص إضافي لوجودها في مدينة رفح». وبحسب الخرائط الجديدة، ستبقى القوات الإسرائيلية في شريط لا يتجاوز عرضه كيلومترين شمال محور «فيلادلفيا»، بعدما كانت خطّتها الأولية تنصّ على وجود يمتدّ حتى خمسة كيلومترات شمال المحور الحدودي.
نتنياهو نجح في إقناع ترمب بمنحه أسبوعاً إضافياً لاستكمال الصفقة
في موازاة ذلك، تواصل واشنطن تحرّكها عبر قنوات الاتصال المباشرة مع الأطراف كافة، في إطار سعيها للتسريع في إنجاز الاتفاق، رغم أنّ زيارة مبعوثها الخاص، ستيف ويتكوف، تأجّلت أكثر من مرة. ووفق مصادر دبلوماسية، فإنّ سبب التأجيل يعود إلى «رغبة إدارة ترمب في أن تتزامن الزيارة مع إعلان الاتفاق، حتى تكون حاملة لطابع تنفيذي لا استكشافي فقط».
ويأتي هذا في وقت كشفت فيه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن مصادر أميركية، أنّ «نتنياهو نجح في إقناع ترمب بمنحه أسبوعاً إضافياً لاستكمال الصفقة»؛ ورغم أنّ الرئيس الأميركي عبّر عن «ضجره من استمرار الحرب»، لكنه منح الجانب الإسرائيلي مهلة جديدة. وأمس، عاد ترامب إلى القول إنه يعتقد أنّ «شيئاً ما» سيحدث بشأن غزة قريباً، معرباً عن أمله في التوصّل إلى اتفاق، ومؤكداً أنّ المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط «قد يحقّق تقدّماً ملموساً في وقت قريب».
أمّا فلسطينياً، فلا يزال وفد حركة «حماس» التفاوضي، برئاسة خليل الحية، متمركزاً في الدوحة، حيث يجري مشاورات داخلية موازية للاتصالات التي ينسّقها كل من المصريين والقطريين مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي. ووفق مصادر فلسطينية، فإنّ العقبة الجوهرية تتمثّل في «رفض الحركة لخرائط الانسحاب الإسرائيلية المقدَّمة، سواء في ما يتعلّق بالمرحلة المؤقّتة من الهدنة أو بما بعدها من ترتيبات»، فيما تصرّ إسرائيل على خطّة «انسحاب تدريجي»، وإعادة تموضع تسمح لقوّاتها بالبقاء في مناطق واسعة داخل غزة، وهو ما تعتبره «حماس» محاولة للالتفاف على جوهر الاتفاق، وتهديداً مباشراً لأمن سكان القطاع، وتكريساً لواقع احتلالي جديد.
وفي ظلّ تعثّر المفاوضات عند هذه النقطة، وتصاعد انتقادات عائلات الأسرى الإسرائيليين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خلفيّة ذلك، واصل الأخير محاولاته الدفاع عن سياساته أمام الداخل، مؤكّداً أنه لم يتجاهل التهديدات السابقة من «حماس»، وأنه وافق على خيار صفقة التبادل، فقط في حال كانت «جيدة»، مضيفاً أنّ حكم غزة يجب أن يكون بيد «جهات لا تسعى إلى تدمير إسرائيل».
لكن هذه التصريحات تُفهم في تل أبيب، على أنها نوع من «التمهيد الداخلي»، باعتبارها موجّهة إلى الجمهور الإسرائيلي أكثر من كونها مواقف تفاوضية حقيقية. وتفيد التقديرات الدبلوماسية، في هذا الإطار، بأنّ «التصريحات الإسرائيلية لا ينبغي أن تُؤخذ بجدّية كاملة، في ظلّ الإشارات الإيجابية الآتية من واشنطن، والتي تؤكّد أنّ الاتفاق لا يزال ممكناً».
وفي سياق متّصل، أفادت مراسلة «القناة 13» العبرية بأنّ وزيراً بارزاً حضر جلسة ترأّسها نتنياهو، أمس، عبّر عن انطباعه أنّ رئيس الوزراء «اتّخذ قراره، ويتّجه نحو الصفقة في الأيام المقبلة». كما نقلت «القناة 12» العبرية عن مصادر داخل الائتلاف الحاكم أنّ «نتنياهو بات على بُعد خطوة واحدة من قبول صفقة التبادل»، وسط توقّعات بلقاء مرتقب مع وزيرَي «قوة يهودية» و«الصهيونية الدينية»، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لإقناعهما بأنّ «استمرار القتال سيبقى خياراً في حال لم تستسلم حماس».
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الاخبار