شهدت مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين، تطوّراً لافتاً، تمثّل في انتقال جزء من النقاشات من العاصمة القطرية الدوحة إلى القاهرة، ما أضفى زخماً جديداً على المسار التفاوضي بعد فترة من الجمود. وتحتضن القاهرة حالياً اجتماعات متلاحقة تضم وفوداً من مصر وقطر وإسرائيل، بمشاركة أميركية فاعلة، في محاولة للدفع نحو اتفاق جديد.
وذكرت قناة «كان» العبرية أن «وفداً أمنياً إسرائيلياً برئاسة منسّق ملف الأسرى، وبمشاركة ممثلين عن جهاز الشاباك، أنهى زيارة إلى العاصمة المصرية استمرّت يومين»، في حين أشارت مصادر مصرية إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شأن اقتراب التوصل إلى اتفاق، ساهمت في تعزيز الأجواء الإيجابية، وأثّرت بشكل مباشر في إعادة ترتيب المقاربات الإسرائيلية، ولا سيما في ما يتعلق بخريطة التموضع العسكري داخل غزة، وهو ما اعتُبر تطوّراً مهماً في موقف تل أبيب.
لكن على الرغم من التحسّن النسبي في الأجواء، لا تزال المفاوضات تتّسم بالحذر الشديد، في ظلّ قلق واضح لدى الوسطاء من إمكانية انهيار التفاهمات عند مرحلة التنفيذ. وأفادت مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، بأنّ التحدي الأساسي لا يكمن فقط في التوصل إلى اتفاق على البنود، بل في «ضمان التزام الأطراف – وخصوصاً إسرائيل – بتطبيقها بدقّة»، محذّرة من أنّ أي مماطلة أو تأخير قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
وكان أعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية أن المفاوضات لا تزال في «مرحلتها الأولى»، وتركّز حالياً على «التفاهم على المبادئ الأساسية للاتفاق»، مؤكّداً استمرار الجهود «على مدار الساعة»، من خلال تواصل مكثّف في الدوحة وواشنطن، بغية التوصّل إلى تسوية.
المعركة في بيت حانون تفضح حدود القوة وتكرّس فشل «النصر الكامل»
وعلى المقلب الإسرائيلي، كشفت «القناة 13» العبرية، نقلاً عن مسؤولين مطّلعين على مجريات التفاوض في الدوحة، عن تحقيق «تقدّم كبير» خلال الساعات الأخيرة، نتيجة ما وصفوه بـ«مرونة غير مسبوقة» في الموقف الإسرائيلي، واقترابه أكثر من موقف حركة «حماس»، خصوصاً حيال «قضية الانتشار العسكري الإسرائيلي داخل غزة».
وأوضح المسؤولون أن هذه «الليونة تخصّ فقط فترة التهدئة التي تمتد إلى 60 يوماً، ولا تشمل المرحلة التي تليها». وجاء ذلك في وقت انعقدت فيه، أمس، جلسة لـ«الكابينت» لمناقشة مشروع «المدينة الإنسانية» في رفح، وكان من المقرّر أن يقدّم فيها رئيس أركان جيش العدو، إيال زامير، خطة «أقلّ كلفة» لتطبيق المشروع.
وعلى الأرض، باتت بلدة بيت حانون تمثل نموذجاً لواقع ميداني معقّد، يكشف حدود القوة العسكرية، وفق ما أكّده تقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» العبرية بقلم أمير بارشالوم. فخلافاً للتصوّرات الإسرائيلية السابقة، عادت البلدة إلى الواجهة، حيث تُسجَّل فيها خسائر يومية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وسط معلومات عن استمرار نشاط كتيبة «حماس» هناك، ووجود «منظومات متطوّرة للمراقبة والتفخيخ، ما يكشف حجم التحدّي الذي لا تزال تمثّله البنية التحتية لحماس». أما المحلل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، فقد شنّ هجوماً غير مسبوق على حكومة بنيامين نتنياهو، واصفاً إياها بـ«الخطر الاستراتيجي» على إسرائيل، داعياً الشارع إلى «التحرّك لإسقاطها».
وانتقد بشدّة مشروع «المدينة الإنسانية» في رفح، واعتبره «عبثياً»، ومجرد وهم لن يفصل السكان عن المقاومة، بل سيزيد تعقيد المشهد.
وفي السياق نفسه، قدّم رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، وعضو «الكنيست» الحالي، غادي آيزنكوت، قراءة استراتيجية مغايرة، دعا فيها إلى «مقاربة واقعية تقوم على وقف دائم لإطلاق النار في غزة»، مشيراً إلى أن القضاء على «حماس» غير ممكن خلال فترة قصيرة. واعتبر أن «الحل يكمن في خطة طويلة الأمد تقوم على إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح، وصولاً إلى تفكيك البنية العسكرية للحركة، مع ضرورة تجنّب الحيل المؤقتة التي لن تصمد».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار