آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » ارتفاع إيجارات السكن بين واقع المواطن وعدم تدخّل الحكومات

ارتفاع إيجارات السكن بين واقع المواطن وعدم تدخّل الحكومات

تحقيق هلال عون:

 

بعد تحرير سوريا من نظام الأسد المخلوع وبداية المرحلة الانتقالية، كان الأمل أن تبدأ الأسعار بالانخفاض تدريجياً، خاصةً مع ارتفاع قيمة الليرة السورية بنسبة تُقدّر بـ33 بالمئة بعد أن تحسّن سعر صرفها من 15 ألفاً إلى ما يقارب 10 آلاف ليرة مقابل الدولار.

 

هذا التحسّن كان من المفترض أن ينعكس إيجابياً على سوق الإيجارات السكنية، إلا أن ما حصل على أرض الواقع كان صادماً ومخالفاً لكل التوقعات.. فقد شهدت معظم المناطق في دمشق وريفها في باقي المحافظات، ارتفاعاً كبيراً وغير مبرر في أسعار إيجارات الشقق، فما هي الأسباب وما الحلول؟

 

10 ملايين شهرياً

في حي المزة، ارتفع إيجار الشقة ذات الغرفتين وصالون (غير مفروشة) من نحو 6 ملايين ليرة سورية شهرياً في تموز 2024 إلى 10 ملايين ليرة في تموز 2025، وبإضافة النسبة الواقعية التقديرية البالغة 20 بالمئة على السعر الجديد، فإن الإيجار يصل إلى 12 مليون ليرة شهرياً.

 

وفي البرامكة، ارتفعت الشقة نفسها من 2,5 مليون إلى أكثر من 4 ملايين ليرة.. أما في مساكن برزة، فقد قفز الإيجار من مليونين إلى 3 ملايين ليرة، بينما بلغ في ضاحية قدسيا 4 ملايين بدلاً من مليونين في العام الماضي.. وفي ضاحية حرستا من مليون إلى 2,4 مليون ليرة.

 

حتى المناطق شبه الريفية، مثل قرى الشام، لم تسلم من هذا الارتفاع، إذ ارتفع الإيجار من 800 ألف إلى أكثر من 1.4 مليون ليرة.. وفي مدينة حماة، قفز إيجار الشقة ذاتها من مليونين إلى 5 ملايين ليرة سورية سنوياً.

 

 

 

صدمة حقيقية

هذه الأرقام تعكس صدمة حقيقية لموظف حكومي يتقاضى راتباً يبلغ نحو مليون ليرة شهرياً، بعد الزيادة الأخيرة التي بلغت 200 بالمئة، إذ يجب عليه دفع أكثر من راتبه السنوي الكامل للحصول على مسكن متواضع.

 

أما العامل في القطاع الخاص، الذي لم تشمله أي زيادات تذكر، فما زال دخله الشهري لا يتجاوز 400 ألف ليرة في المتوسط، ما يجعل من المستحيل عليه تحمل هذه الإيجارات، حتى في ضواحي العاصمة أو المدن الثانوية.

 

والأدهى من ذلك، أن أغلب المؤجّرين يفرضون على المستأجرين الدفع المسبق لستة أشهر أو سنة كاملة، بالإضافة إلى شهر تأمين، وعمولة شهر للمكتب العقاري، ما يعني أن المستأجر يحتاج إلى دفع مبلغ يتجاوز 7 أو 8 ملايين ليرة دفعة واحدة، فقط ليستلم مفاتيح منزله.. وهذا طبعاً غير تكاليف نقل العفش الكبيرة والتي تتكرر كلما انتقل شخص من بيت إلى بيت آخر (إيجار).

 

هذا الواقع يحاصر آلاف العائلات، ويجعل خيار الاستئجار مستحيلاً إلا لمن يملك تحويلات مالية من الخارج، أو لديه دخل بالدولار، أو يعمل مع جهات دولية.

 

 

 

المستأجر يدفع ضرائب مالية

بالإضافة إلى ذلك، يشترط كثير من المؤجرين على المستأجرين دفع كل الضرائب المالية المرتبطة بالعقار، رغم أن القانون ينص صراحة على أن هذه الأعباء تقع على عاتق المؤجر، باعتباره المستفيد مالياً من عقد الإيجار، ما يزيد من العبء المالي على المستأجرين ويفاقم معاناتهم.. إضافة إلى أعباء الفواتير المتعلقة بالماء والكهرباء، وهذا حقّ قانوني للمؤجر، فالفواتير تقع على عاتق المستأجر.

 

رغم كل ما سبق، فإن الأسباب الحقيقية لهذا الارتفاع غير المبرر ما زالت غير واضحة، ويفترض أنها ترتبط بالمؤجّرين من جهة، وبغياب أي رقابة أو تنظيم حكومي حقيقي على سوق الإيجارات من جهة أخرى، كما تساهم التطبيقات العقارية والمكاتب الوسيطة في تضخيم الأسعار وخلق سوق سوداء موازية.

 

واقع الإيجارات

المواطن “محمد. ع”، موظف حكومي يسكن في ضاحية قدسيا، يقول: “كنت أستأجر شقة بـ 1,8 مليون ليرة في العام الماضي، اليوم يطلب صاحب المنزل 4 ملايين..! حتى عندما أخبرته أن راتبي لا يتجاوز المليوناً، قال لي: لست مجبراً أن أؤجّرك”.

 

بينما تشير السيدة ندى، أرملة وأم لثلاثة أطفال إلى أنها تُجبر على التنقل من حي إلى آخر كل عام بحثاً عن منزل أقلّ تكلفة، وتقول: “كلما تأقلمنا مع حي، تضاعف الإيجار فجأة من دون سبب، حتى صرنا مثل الرحّل، نُطرد من حي إلى آخر”.

 

في قلب العاصمة دمشق، وتحديداً في حي المزة، يقف أبو محمد، الموظف المتقاعد، عاجزاً أمام إعلان عن شقة غير مفروشة مؤلفة من غرفتين وصالون، إيجارها الشهري عشرة ملايين ليرة سورية.

 

يقول أبو محمد لصحيفة الثورة: “طلبوا مني أن أدفع عن ستة أشهر مسبقاً، يعني 60 مليوناً، غير شهر تأمين وعمولة للمكتب العقاري، يعني أكثر من 70 مليوناً، وأنا معاشي 850 ألفاً، “كيف بدي أعيش؟”.

 

وفي البرامكة، لم تكن حال أم أحمد، (أرملة وأم لأربعة أطفال)، أفضل، فقد فوجئت بمالك شقتها القديمة يرفع الإيجار من 2,5 مليون إلى 3,5 ملايين ليرة شهرياً دفعة واحدة، بينما راتبها لا يتجاوز 1,2 مليون ليرة.

 

تقول والدمعة تسبق الكلمات: “ما بدي شي من الدنيا، بس مكان ننام فيه بأمان”.

 

الأمثلة تتكرر في مساكن برزة، وضاحية قدسيا، وضاحية حرستا، وحتى في قرى الشام الريفية التي كانت تُعدّ أقلّ تكلفة.. اليوم، لم يعد هناك فارق كبير، فالشقة في مساكن برزة كانت تُؤجر بمليوني ليرة في تموز 2024، وأصبحت بـ3 ملايين في تموز 2025.. وفي ضاحية حرستا قفزت من مليون إلى مليونين، وفي قرى الشام ارتفعت من 800 ألف إلى مليون و200 ألف.

 

أما في حماة، المدينة الهادئة نسبياً، فالصدمة كانت أشد.. يحكي سامر، وهو شاب يعمل في محل موبايلات، أن شقته المؤجرة في كانت تكلفه مليوني ليرة في 2024، أما الآن، فطلب المالك 5 ملايين ليرة، مع شرط الدفع لستة أشهر سلفاً وشهر تأمين وعمولة مكتب، يعلّق سامر ساخراً: “راتبي مليون و100 ألف يعني أحتاج إلى 35 مليوناً لأدخل البيت!”.

 

ضبط سوق العقارات

المختصون يرون أن الدولة مطالبة بالتدخل العاجل عبر وضع سقوف للإيجارات، وتفعيل رقابة ميدانية صارمة، وتشجيع مشاريع السكن الشعبي، ومنح حوافز للقطاع الخاص لبناء وحدات سكنية منخفضة التكلفة، كما يقترحون إصدار قانون جديد ينظّم العلاقة بين المالك والمستأجر، ويُلزم المؤجّر بالإفصاح عن قيمة عقد الإيجار لدى المالية، مع فرض ضرائب عادلة.

 

الدكتور عبد المعين مفتاح، الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات، والمختص بالإدارة العامة والتنفيذية، يرى أنه من الضروري ضبط سوق العقارات ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية متكاملة، مشدداً على سنّ قوانين تُرافق تحرير السوق لحماية المستهلك، ومنها المستأجر، فالتحرير لا يعني غياب التنظيم، وهناك حاجة ماسة لقاعدة بيانات وطنية للإيجارات، وينبغي وضع سقف سعري للإيجارات مناطقي يعتمد على المساحة والخدمات والتوزيع الجغرافي”.

 

ويرى الدكتور مفتاح أن الحل يجب أن يكون ثلاثي الأبعاد:

 

أولاً: إجراء إصلاح تشريعي وقانوني يضبط أسعار الإيجارات.

 

ثانياً: تقديم دعم مباشر أو غير مباشر للمستأجرين الأكثر ضعفاً.

 

ثالثاً: إطلاق مشاريع سكنية وطنية، ولو عبر شراكات مع القطاع الخاص، تلبّي الحاجات الفعلية للمواطنين.

 

غياب الإطار القانوني والتنظيمي أدى إلى سوق متحرر فوضوي سمح للمؤجرين برفع الأسعار بلا دراسة سقف للإيجارات وكذلك تزايد الطلب مقابل محدودية العرض نتيجة النزوح الداخلي والتهجير، بالإضافة إلى ضعف الاستثمارات في قطاع البناء، ووجود المضاربات العقارية التي ترفع الأسعار لتحقيق أرباح سريعة على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة.. وساهم تأخر دخول الشركات الاستثمارية بسبب انتظار القوانين الجديدة، في ضعف العرض العقاري، ولا ننسى ارتفاع تكلفة البناء والصيانة بسبب نقص الإنتاج المحلي واعتماد الاستيراد.

 

 

 

الحلول الإسعافية والسريعة

ويعرض د. مفتاح عدداً من الاقتراحات كحلول إسعافية، منها:

 

أولاً: تفعيل الرقابة القانونية من خلال إصدار قانون للإيجارات يحدد سقوف زيادة سنوية ويُفعّل آليات رقابة فعالة.

 

ثانياً: تشجيع الإعمار السريع عبر إعفاءات ضريبية وحوافز للمستثمرين لإقامة مشاريع إسكان منخفضة التكلفة.

 

ثالثاً: توفير دعم مباشر للأسر الفقيرة من خلال بدلات سكنية أو قروض ميسرة، وتخفيض الفوائد وتمديد مدد السداد.

 

رابعاً: تنظيم مكاتب الوساطة العقارية لمراقبة ممارساتها ومنع الاستغلال.

 

خلاصة..

 

ويختم د. مفتاح بالقول: إن ارتفاع الإيجارات السكنية في سوريا بعد التحرير هو نتاج عوامل متعددة تتطلب خطة إصلاحية متكاملة تبدأ بضبط السوق قانونياً، مروراً بتحفيز الاستثمار ودعم المواطنين، وانتهاءً برصد مستمر لضمان استدامة العدالة في توفير السكن.

 

وتطبيق هذه الخطة عملياً يخفف معاناة المواطنين ويحقق استقراراً سكنياً ينسجم مع التحولات الاقتصادية الجارية.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خطوة أميركية “غير مسبوقة” في محاكمة نتنياهو… “تصرف يشتت انتباه القيادة”

  تأجلت محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي في القضية المعروفة باسم “قضية ميلتشن”، بسبب تسلم بنيامين نتنياهو “تحديثاً أمنياً عاجلاً” من السكرتير العسكري رومان جوفمان، لتتوقف ...