آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » السويدا… من سكينة الجبل إلى صرخة القلب

السويدا… من سكينة الجبل إلى صرخة القلب

ربى الحجلي

كانت السويداء دومًا تشبه الهدوء الذي يسبق الحب. لا تُكثر من الضجيج، لا تتباهى ببطولاتها، ولا ترفع صوتها إلا عندما يُمتهن كرام الجبل.

في طرقاتها، عطر السنديان، وصوت جدّات يخبزن الوقت على نار الصبر. في ملامح رجالها، عيون تقرأك قبل أن تتكلم، وقلوب تحفظ الودّ أكثر مما تحفظ الحذر.

لم تكن هذه المدينة يومًا تبحث عن دور، بل كانت دورًا بحد ذاتها… كانت الملاذ حين ضاقت الأرض، وكانت الشاهدة حين فاضت الحقيقة من جرح.

واليوم، حين أسمع نبض السويداء، أشعر كأن الجبل يصرخ، لا وجعًا فقط، بل توقًا إلى أن يسمعه أحد. لا تطلب شيئاً ، فقط أن يُفهم ألمها كما هو، بلا تأويل، ولا مزايدات، ولا حسابات سياسية باردة.

لقد كانت هناك صابرة، شاهدة… وها هي اليوم، تقول: كفى.

لقد تعبت السويداء من أن تكون الحارس الصامت في وقت لا يقدّر أحد صمت الحراسأكتب اليوم و أنا من جبلٍ لا ينكسر ، من أرضٍ خاضت المعارك بصمت، وبنت المجد بلا منّة، وزرعت الكرامة في ترابها كما يُزرع القمح، تنتظر الحصاد ولو بعد حين.

أنا من السويداء، من بيتٍ بلا أبواب، لكن بقلوب تعرف من الضيف ومن الغازي، نكرم الأول حتى يصبح منا، ونطرد الثاني مهما كانت كلفته دمًا ونارًا.

هنا، حيث شيوخنا لا يفقدون كرامتهم إن مُسَّت شواربهم، لأنهم يدركون أنها ليست زينةً في الوجه… بل عهداً لا يُنكث.

فالكرامة في دمهم، في وقفتهم، في نظراتهم، والمصيبة في أولئك الذين لا يعرفون أن الكرامة لا تكون إلا في الصدور الشامخة والضمائر الحيّة.

أكتب من أرض حيث النساء يحملن التاريخ في عيونهن، والرجال يمضون إلى الموت ولا يطلبون ثمنًا، و الأطفال الذين تعلموا  أن العار ليس بالفقر، بل بالصمت عن الظلم.

هنا السويداء حيث الصخر يئنّ من القهر، لكنّه لا يتهدّم.

هنا قُتل الأحبة، احترقت البيوت، وسُرقت الذكريات، وامتهنت الكرامة ولم تنكسر الجباه.

منذ أيام سلطان باشا الأطرش، عرف الجبل أن لا حرية بلا تضحية، ولا وطن يُبنى على الذل.

من هنا، من هذا الوجع، أكتب لأن لا شيء فينا قابل للكسر ، لا نحن، ولا جدراننا، ولا حتى صمتنا.

من هنا، من حارةٍ تهدمت بيوتُها، أقول: من دمنا لا تبنوا سلطتكم، ومن رمادنا لا تُشيّدوا عروشًا.

نحن لا ننتقم ، لكننا لا ننسى.

ونحن لا نكره، لكننا لا نغفر حين تُداس الكرامة.

نحن من نُطعم الغريب من فيئ أرواحنا ، لكننا لا نسلّم له رقابنا.

أكتب اليوم لأني بنت الجبل ، بنت الكلمة التي لا تُشترى، والكرامة التي لا تُنتزع.

أكتب الآن… كي يعرف من بقي حياً أن الجبل لم يسقط، وأن التعب لا يعني الهزيمة… بل الإعداد للجولة القادمة.. عندما تأتي.

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لم يقتل قابيل هابيل باسم الشيطان… بل باسم الله!

  سمير التقي   يقول نيتشه: “احذر، وأنت تصارع الوحوش من أن تصير وحشاً مثلها”. من محاكم التفتيش، إلى الحروب الصليبية، مروراً ببشار الأسد وداعش، ...