آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سلاح هندسة الوعي:  الهيمنة الجديدة!

سلاح هندسة الوعي:  الهيمنة الجديدة!

 

 

عدنان كامل الشمالي

 

لم تعد الهيمنة اليوم بحاجة إلى جيوش، ولا إلى دبابات، ولا حتى إلى سلاح نووي. ثمة سلاح أخطر، أذكى، وأرخص تكلفة… سلاح يتسلل دون أن يشعر به أحد، ويسيطر دون إطلاق رصاصة واحدة.

إنه سلاح هندسة الوعي.

 

تخيّل أن دولة ما، تمتلك القدرة على معرفة ما يشغل بالك، ما تخشاه، ما تغضب منه، وما تحلم به. تعرف كيف تفكّر، وبماذا تفكّر، وما الذي يثيرك ويدفعك للحركة. تخيّل أن لديها صورة دقيقة عن مشكلاتك الشخصية، وضعك الاقتصادي، علاقاتك الاجتماعية، وحتى نكاتك المفضّلة.

هذا ليس خيالاً علميًا… هذه بياناتك.

التطبيقات والمنصات التي نستخدمها يوميًا، والتي نظن أنها مجانية أو للترفيه، ليست بريئة تمامًا. وراءها خوارزميات ذكية، تجمع وتفرز وتحلّل آلاف التفاصيل الصغيرة لتكوّن صورة ضخمة ودقيقة عنك… وعن مجتمعك بأكمله.

 

من خلال هذه البيانات، يمكن التأثير على مزاج الشعوب، توجيه الرأي العام، خلق اضطرابات، تأجيج نزاعات، بل وحتى إشعال ثورات أو إخمادها.

ولأن هذا السلاح لا يُرى، فإنه يعمل بصمت.

يُعيد تشكيل قناعاتك دون أن تدري، يزرع فكرة ويجعلها تبدو كأنها وليدة وعيك الشخصي، بينما هي نتاج هندسة متقنة لعقلك الباطن.

وهنا يكمن الخطر الحقيقي!

 

فحين تتمكن دولة من السيطرة على وعي الشعوب، فإنها لا تحتاج إلى السيطرة على أراضيها.

لهذا نشهد سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا والصين، في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الحوارية. هذه الأدوات لم تعد مجرد تقنيات، بل تحوّلت إلى سلاح استراتيجي، أخطر من الصواريخ العابرة للقارات.

فالسلاح النووي يُستخدم مرة… أما سلاح الوعي، فيُستخدم كل يوم، وبلا تكلفة تُذكر.

 

الهيمنة الجديدة ليست صاخبة. إنها ناعمة، متخفّية، وفعّالة إلى درجة مذهلة.

فحين يتحكم طرف خارجي بما تقرأ، وما تشاهد، وبطريقة تفكيرك نفسها… فلن تحتاج حتى إلى احتلالك. لقد أصبحتَ تحت السيطرة.

في النهاية، لا يتعلق الأمر بنظرية خفية أو جهاز تجسّس واحد، بل بمنظومة شاملة تعيد تعريف القوة والسيطرة في القرن الحادي والعشرين.

 

فالهيمنة لم تعد ترتكز على من يملك السلاح الأقوى، بل على من يملك القدرة الأعمق على فهم الإنسان، والتأثير فيه، وتوجيه مساراته دون أن يشعر.

وحين يتحوّل الوعي إلى ساحة صراع، فإن موازين القوة تُرسم ليس بالسلاح، بل بمن يملك القدرة على إعادة تشكيل الواقع داخل العقول .

 

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أهداف الحرب الأصلية تتثبّت | أميركا – إسرائيل: ما المانع من ضمّ غزة؟

  يحيى دبوق     تتّجه الأوضاع في قطاع غزة نحو ما يمكن وصفه بـ«تجميد نسبي» للقتال، يُعيد ترتيب المشهد، وينقل الحرب إلى مستوى آخر. ...