آخر الأخبار
الرئيسية » العلوم و التكنولوجيا » الحوكمة الغائبة تُضعف الدفاعات الرقمية في العالم العربي

الحوكمة الغائبة تُضعف الدفاعات الرقمية في العالم العربي

 

راغب ملّي

 

لا تعاني المؤسسات العربية من نقص في التكنولوجيا بقدر ما تعاني من غياب الحوكمة. هذا ما يؤكده المهندس محمد أحمد الخضري، الرئيس التنفيذي لشركة “الدائرة الخضراء للأمن السيبراني” ومؤسس “مجموعة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني”، خلال مقابلته مع “النهار”، أطلق فيها تحذيراً واضحاً من اتساع الفجوة بين التطور التقني المتسارع وبين قدرة الحكومات العربية على ضبط بيئة رقمية آمنة تحكمها التشريعات وتدعمها القرارات السيادية.

 

 

 

الخضري يرى أن العالم العربي يشهد تطوراً ملحوظاً في مجال الأمن السيبراني، حيث بادرت العديد من الدول إلى تأسيس هيئات وطنية وإطلاق تشريعات متقدمة، مثل اللائحة الوطنية للأمن السيبراني في السعودية، والإستراتيجية الوطنية في كل من الإمارات والأردن. لكنه يشير إلى أن هذا التقدم ليس متساوياً على امتداد الخريطة العربية، فبينما استطاعت بعض المؤسسات بناء مراكز عمليات أمنية متطورة وتبني حلول متقدمة لمراقبة التهديدات والاستجابة الفورية، ما زالت مؤسسات أخرى، خصوصاً في القطاعات غير المصرفية والصغيرة والمتوسطة، تعاني من ضعف في إدارة المخاطر والتزام السياسات.

 

 

 

يشدد الخضري على أن الفجوة لا تقتصر على المؤسسات وحدها، بل تشمل حتى الكيانات الكبرى، التي تواجه صعوبات حقيقية في تأمين الموارد البشرية والمالية اللازمة للحصول على الاستشارات المتخصصة، ما ينعكس على مستوى الجاهزية أمام التهديدات الرقمية المتزايدة. ويؤكد أن بعض الدول العربية خطت خطوات مهمة عبر استراتيجيات وطنية طموحة، لكن تظل التحديات الهيكلية قائمة وتفرض على صانعي القرار اعتماد مقاربة أكثر شمولاً واستدامة.

 

 

 

وعن أبرز هذه التحديات، يوضح الخضري أنها ترتكز على محورين أساسيين: البنية التحتية التقنية والوعي الأمني المؤسسي. ففي الجانب الأول، تبرز مشكلات ضعف تكامل الأنظمة الأمنية، والاعتماد الكبير على حلول أجنبية دون وجود تطوير محلي كافٍ، إلى جانب غياب منصات عربية متقدمة لإدارة الامتثال والتحليلات السيبرانية. أما في الجانب الثاني، فرغم توفر التقنيات، تبقى ثقافة الأمن السيبراني ضعيفة لدى الموظفين وحتى بعض صناع القرار، وهو ما يشكل أحد أبرز المخاطر، خصوصًا في ظل غياب آليات رقابية صارمة من الجهات العليا، الأمر الذي يعرقل الالتزام الجدي بالسياسات ويترك ثغرات مفتوحة أمام المهاجمين.

 

 

 

 

 

من جهة أخرى، يبرز الذكاء الاصطناعي كعنصر جوهري في مستقبل الأمن السيبراني. ويعتبر الخضري أنه أصبح أحد أقوى الأدوات الدفاعية المتاحة اليوم، لما يوفره من قدرة على رصد الهجمات في وقت قياسي عبر تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالتهديدات من خلال خوارزميات تعلم الآلة القادرة على اكتشاف الأنماط المشبوهة، إضافة إلى تسريع الاستجابة للحوادث الأمنية بفضل الأنظمة المؤتمتة مثل SOAR ويشير إلى أن بعض البنوك الخليجية باتت تعتمد على حلول مراقبة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، كما بدأت وزارات دفاع وهيئات سيبرانية عربية في تطوير قدرات هجومية ودفاعية تستند إلى التحليل الذكي للبيانات.

 

 

 

لكن الخضري لا يخفي القلق من الوجه الآخر لهذا الذكاء، الذي يرى فيه سلاحاً ذا حدين. فإلى جانب قدراته الدفاعية، يمكن أن يُستغل لتطوير هجمات متقدمة يصعب اكتشافها، بما في ذلك تلك القائمة على التزييف العميق أو استهداف الأنظمة الصناعية الحرجة بطرق قد تؤدي إلى تعطيل مرافق حيوية. كذلك يشير إلى خطر انتهاك الخصوصية من خلال تحليل البيانات الشخصية واستغلالها تجارياً أو سياسياً، وهو ما يستوجب، برأيه، تحركاً تشريعياً حازماً. ويشدد على ضرورة أن تضع الدول العربية أطرًا واضحة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، تتضمن تشريعات دقيقة لحماية البيانات، وآليات رقابية فعالة تضمن التطبيق الفعلي للسياسات، وليس الاكتفاء بإصدارها، إضافة إلى إنشاء هيئات مستقلة عليا للإشراف على هذا النوع من الحوكمة، تكون مرتبطة مباشرة بالسلطات التنفيذية.

 

 

 

ويضيف أن التحول نحو الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد يكون الحل الأمثل لسد فجوة نقص الكفاءات في القطاع السيبراني، إذ تتيح هذه الحلول تقليل الاعتماد على العنصر البشري بنسبة قد تصل إلى 90%، وهو ما بدأت بعض المؤسسات المالية والحكومية العربية بتطبيقه فعليًا بهدف رفع كفاءتها وتقليل مخاطرها التشغيلية.

 

 

في ختام حديثه مع “النهار”، يضع الخضري الأمور في نصابها قائلاً إن الأمن السيبراني في العالم العربي يقف اليوم على مفترق طرق حاسم. فإما أن تتم إدارته بأدوات متقدمة وتحت إشراف حكومي صارم، أو أن تبقى الفجوات قائمة، بما يهدد الاستقرار الرقمي والاقتصادي للمنطقة بأسرها. ويرى أن الاستثمار في الأتمتة والذكاء الاصطناعي لا يكفي ما لم يُرفق بقرارات سيادية تفرض الحوكمة وتحمي المواطن والاقتصاد في آن واحد، بما يضمن الاستفادة من الثورة الرقمية دون الوقوع في فخ مخاطرها.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في دبي… الروبوتات بدأت بالركض!

  انتشر مقطع فيديو يُظهر روبوتاً بشرياً يركض عبر أحد شوارع مدينة دبي، ما أثار تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.   تم تصوير الفيديو ...