آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » زيا د … لن يموت

زيا د … لن يموت

 

 

مالك صقور

 

 

 

كأني بالسيدة الكبيرة الجليلة فيروز في فاجعتها بابنها زياد – الفاجعة التي تكسر الظهر وتقطع نياط القلب – كأني بها تُردد مع الخنساء :

يُؤرقني التذكّر حين أُمسي

فأصبح قد بُليت بفرط نُكسِ

نعم مصاب جلل على قلب الأم . ووحدهن الأمهات يدركن معنى فقدان الضنا ، لا سيما في مثل عمر السيدة فيروز أمدها الله بالصحة والصبر ، وأبن مثل زياد . والسيدة الجليلة التي غنّت خلال ستة عقود ، وأجمع العرب على حبها كما لم يتوافقوا على سواها ، لا من المطربين و لا من سواهم ، جعلهم اليوم أيضا يشاركون هذه السيدة العظيمة حزنها ، وكما كانت ومازالت وستبقى فيروز الإيقونة التي لا تشبهها أي إيقونة أخرى ، لأنها هي جزء من ثقافتنا ، جزء من حياتنا ، كذلك تحول زياد المبدع أيضاً إلى إيقونة .. ومهما قيل وسيقال عن الأم الحزينة وعن مسيرتها الفنية وعن زياد الذي رحل حزيناً أيضاً ، لن يرقى إلى مستوى إبداعمها الراقي السامي الرائع ، ولن يفي حقهما ..

******

كتب كثيرون عن الفنان زياد الرحباني ، وقيل الكثير عنه في حياته ، لكن بعد رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى ، أصبح للكتابة عنه أو الكلام والحديث عن فنان بحجم زياد له شأنً آخر .. فبمناسبة رحليه ، تمً عرض الكثير من لقاءات متلفزة معه ، على محطات فضائية في لبنان وسوريا ومصر ، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي . .تحدثوا عن الموسيقارالجاد. تحدثوا عن عبقريته الفذة ، وموهبته النادرة ، عن جرأته ، عن شفافيته ، عن تمرده ، عن تجديده ، عن مسرحه ، عن خفة دمه ، عن سخريته . ونسوا أو تناسوا منهم عن قصد ومنهم سهواً ؛ عن أمرين في حياة زياد :

– الأمر الأول : إنه شيوعي .. ( ولا أعرف مدى التزامه بالتنظيم في الحزب الشيوعي اللبناني ) ولكن أعرف أنه كان في كل مسيرته الإبداعية كان ملتزماً بقضايا أمته وشعبه ، كان ملتصقاً بالقاع ، مع الفقراء . وفي مواقفه الكثيرة وعبر مسيرته الفنية ، كان يعبّر في سلوكه وتصرفاته وفي مسرحياته أنه شيوعي بامتياز .. حتى ولو لم يكن ملتزما في صفوف الحزب الشيوعي .. ولا أبالغ إن قلت أن زياداً كان يعرف كما يقول الكبير ميخائيل نعيمه : ” .. فالشيوعية ما ولدت يوم وُلد ماركس . ولا قامت لها دولة يوم قام لينين و أعوانه من حزب ” الشيوعيين ” بثورتهم في عاصمة القياصرة . ولكنها كانت جنيناً في رحم الإنسانية المعذبة منذ راح الناس يعيشون جماعات يستثمر بعضها بعضا . فكان السيد وكان العبد . وكان التّخم وكان المحروم . وكان الحاكم والمحكوم ، والظالم والمظلوم … لا ليس هو ماركس ولا لينين ولا ستالين الذي خلق الشيوعية . بل هو القلق من الفساد في النظم القائمة – الذي خلق هؤلاء وأتباعهم …”

وفي هذا السياق أذكر أيضاً الكبير عبد المعين الملوحي ، الذي اختلف مع قادة الحزب الشيوعي السوري ، فترك التنظيم ، وبقي يوقع مقالاته باسم : شيوعي مزمن .. وأحياناً : شيوعي محترف .

– الأمر الثاني : كان زياد مقاوماً ..مع المقاومة التي هزمت العدو الصهيوني أول مرة منذ النكبة . أعرف جيداً أن بعضاً ممن يعدون أنفسهم تقدميين أو يساريين ، لا يؤيدون حزب الله . وسؤالي : أنت مع المقاومة ، أم مع الكيان الغاصب المغتصب ، الذي يرتكب كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة مجازر في الضفة الغربية وفي غزة التي مُسحت عن الأرض .., أذكر فقط بإنجاز زياد : أوبريت المقاومة – ياأحرار العالم ..

لقد فقدت الثقافة العربية قطباً من أقطاب الموسيقى والمسرح ، غادر جسداً .. وبقيت الروح المشعة الموجودة في إرثه الكبير الهائل .. لا ، زياد لن يموت .

 

(اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

شرشبيل والسنافر الحكومية

  بقلم: المهندس باسل قس نصر الله عندما كنّا في المدرسة، كان أستاذ الجيولوجيا يرمينا – بكل محبةٍ أكاديمية – بأحجار العصور المتلاحقة: من الجليدي ...