حسن حردان
طرحت زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى غزة الكثير من التساؤلات حول أهدافها ودوافعها.
أولاً، انّ الزيارة هدفت إلى امتصاص غضب الرأي العام العالمي، ومحاولة تبييض دور “مؤسسة غزة الإنسانية”، فهذه المؤسسة هي منظمة أميركية خاصة، تأسّست في فبراير 2025، وتعمل على توزيع المساعدات في قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة و”إسرائيل”. وقد تعرّضت لانتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام، بعدما حوّلت عملية توزيع المساعدات إلى “فخ للموت” أو “مصيدة” للفلسطينيين، ما ادّى الى استشهاد اكثر من 1400 مواطن فلسطيني أثناء انتظارهم للحصول على المساعدات، بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلية. كما أنّ بعض المسؤولين، مثل المقرّر الأممي، مايكل فخري، اتهموا المؤسسة باستخدام المساعدات “سلاحاً للحرب والتهجير”. وبالتالي، فإنّ زيارة ويتكوف انما هي محاولة لتحسين صورة المؤسسة وتقديمها كحل فعال للأزمة الإنسانية، خاصةً مع إقدام الاحتلال الاسرائيلي على منع منظمات الأمم المتحدة مثل الأونروا من القيام بدورها الانساني بتوزيع المساعدات.
ثانياً، الإبقاء على مؤسسة غزة كإطار حصري:
1 ـ تأكيد دور المؤسسة: تشير التقارير إلى أنّ ويتكوف، خلال زيارته، تفقد مركزاً لتوزيع المساعدات تديره “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهو ما يؤكد على الدور المحوري الذي تسعى الولايات المتحدة لمنحه لهذه المؤسسة. كما أنّ تصريحاته ركزت على “صياغة خطة لإيصال المساعدات” بالتعاون مع المؤسسة، وهو ما يضعها في قلب الحل الأميركي المقترح.
2 ـ تهميش الأونروا: في المقابل، لا يوجد أيّ تصريح مباشر من ويتكوف يعكس توجهاً لتفعيل دور الأونروا. بل على العكس، فإنّ إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية” جاء في سياق تهميش دور الأونروا، خاصة بعد اتهامات “إسرائيل” لها بوجود موظفين تابعين لحماس. وقد أكدت الأونروا نفسها أنّ هناك 6 آلاف شاحنة مساعدات عالقة خارج غزة، وأنّ آلية التوزيع الحالية غير فعّالة، مما يعكس استمرار القيود على عملها.
3 ـ الربط بالضغط السياسي: انّ استمرار الاعتماد على “مؤسسة غزة الإنسانية” وتهميش الأونروا يهدف إلى ممارسة ضغط سياسي على الفلسطينيين ومقاومتهم. فالمساعدات تحوّلت الى أداة للضغط، حيث يتمّ توزيعها بشكل مُقنّن ومحدود، مما يزيد من معاناة السكان ويخلق حالة من الفوضى واليأس، والهدف دفعهم للضغط على المقاومة للقبول بالشروط الأميركية والإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى. وقد ربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين المساعدات واتهام حماس بـ “سرقتها وعرقلة وصولها”، وهو ما يضيف بعداً سياسياً واضحاً لعملية التوزيع، ويؤكد الشراكة الأميركية الاسرائيلية في سياسة تجويع الشعب الفلسطيني، في محاولة لتحقيق الأهداف السياسية التي فشلت حرب الابادة الجماعية في تحقيقها.
ثالثاً، الضغط الإسرائيلي: لا يمكن فصل هذا التوجه الأميركي عن الموقف الإسرائيلي الذي يسعى لإيجاد بديل للأونروا لتفكيك حكم حماس وإعادة تشكيل إدارة القطاع. فـ “مؤسسة غزة الإنسانية” تُعتبر جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أميركية لـ “اليوم التالي للحرب”، حيث يمارس ضباط سابقون في الجيش الأميركي مهامّ الإشراف على الأمن وتوزيع المساعدات، مما يجعلها أداة لتنفيذ الأهداف السياسية والعسكرية.
باختصار، زيارة ستيف ويتكوف وتصريحاته لم تهدف لإعادة تفعيل دور الأونروا، بل على العكس، جاءت لتعزيز دور “مؤسسة غزة الإنسانية” كبديل حصري. هذا التوجه يبدو أنه جزء من استراتيجية أوسع تستخدم المساعدات كأداة للضغط السياسي على الشعب الفلسطيني ومقاومته للقبول بالشروط والاملاءات الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى، وهو ما يخدم الأهداف الأميركية والإسرائيلية في إعادة هندسة المشهد في غزة على قاعدة انهاء المقاومة وتهجير الشعب الفلسطيني، بما يحقق أهداف المشروع الصهيوني بالسيطرة على كامل أرض فلسطين التاريخية من النهر الى البحر وتصفية القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية المشروعة…
(أخبار سوريا الوطن1-الكاتب)