يحيى دبوق
أعلنت فرنسا، أخيراً، نيّتها الاعتراف بدولة فلسطين، لينضمّ إليها عدد من الدول الغربية، وفي مقدّمها بريطانيا وكندا، إلى جانب إيرلندا والنروج وإسبانيا، وغيرها. وفيما كرّت سبحة الإعلانات تحت عناوين برّاقة، من مثل: «لا يمكن أن يستمرّ الاحتلال إلى الأبد»، و«السلام العادل هو المخرج الوحيد»، و«نحن نؤمن بحلّ الدولتين»، فقد جاءت في ظلّ استمرار حرب الإبادة التي يعيشها قطاع غزة، منذ ما يقرب من عامين.
ومن الأسئلة التي يمكن طرحها على الدول الغربية التي قرّرت الاعتراف بالدولة الفلسطينية: أين كان «الضمير الإنساني» حين بدأت كارثة الحرب والتقتيل؟ ولماذا يأتي «الاعتراف» بعد كل هذا الدمار والقتل والمجاعة، وليس قبله؟ أمّا السؤال الأهمّ: هل إنّ الاعتراف المتقدّم يعبّر عن موقف أخلاقي، أم أنه ذريعة لتبرير الصمت على مدى عامَين متواصلَين من حرب الإبادة؟ وهل يُعدّ الاعتراف بدولة فلسطين، مبادرة رمزية، أو خطوة عملية؟ على أنّ وراء «حركة الاعتراف» هذه، قرار سياسي، لكنه لا يترافق مع ضغط حقيقي على إسرائيل، ولا هو يستخدم كوسيلة لإجبارها على وقف الحرب، فضلاً عن أنه جاء بعد 600 يوم من القصف والقتل والحصار والتجويع في غزة. ولو أنّ فرنسا كانت معنيّة فعلاً وتريد ومؤمنة بحلّ الدولتين، كما تقول، لَما تأخّرت إلى الآن، وربّما كانت فعلت ذلك حتى قبل الحرب. لكنها، بدلاً من ذلك، استمرّت، كما غيرها من الدول الغربية، في بيع الأسلحة للجيش الإسرائيلي الذي يستخدمها في قتل الفلسطينيين.
لماذا يأتي «الاعتراف» بعد كل هذا الدمار والقتل والمجاعة، وليس قبله؟
وما معنى الاعتراف بفلسطين، في زمن إبادة فلسطين وشعبها؟ وهل تريد فرنسا وبريطانيا وغيرهما، القول: «نحن نرى ما يحدث، ولا نتدخّل لوقف الإبادة والمجاعة، فلنعترف بدولة فلسطين، لنبرّر صمتنا باسم المبادئ والقيم والأخلاق»؟ وفي ذلك خدمة لإسرائيل، في وقت تواصل فيه هذه الأخيرة عملها الدؤوب، ليس لتشيكل الدولة الفلسطينية كما تريدها أوروبا، ولكن لجعل «الاعتراف» فارغاً من مضمونه، وربّما من شكله أيضاً.
وهكذا، تقدم فرنسا وبريطانيا وغيرهما، على ممارسة هي في جوهرها دفعُ اتهام أمام الذات والجمهور والرأي العام: نحن نعترف بفلسطين، فلنبرّئ ساحتنا.. لكن ماذا عن التدخّل لوقف المجاعة والقتل اليومي؟ وماذا عن الاستمرار في دعم إسرائيل وتوريد الأسلحة والذخائر لها؟ وماذا عن الامتناع عن فرض العقوبات عليها أو محاسبتها؟
ما يريده الفلسطينيون، ليس الاعتراف بدولة طالما امتنع هؤلاء عن الاعتراف بها، حين كان لذلك قيمة. من هنا، فإنّ الأولوية، الآن، ليست لاعترافات هذه الدول بدولة فلسطينية، بل في منع المجاعة والقتل. لكن، كما ثبت إلى الآن، فإنّ أولوية الدول الغربية كانت ولا تزال: العلاقات مع واشنطن، وتجنّب إغضاب اللوبي الإسرايئلي، والاستمرار في بيع الأسلحة.
كان أَولى بفرنسا – وغيرها – أن تعترف بالتقصير، وليس بفلسطين. كان عليها أن تعترف بالذنب وبالمشاركة غير المباشرة في الحرب، عبر دعمها سياسيّاً وعسكريّاً ولوجستيّاً، وعبر صمتها وانكفائها عن أيّ ضغط فعليّ ومؤثّر. لذلك، فإنّ الاعتراف بفلسطين من دون أيّ ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف إبادة الشعب الفلسطيني، لا يعدو كونه طقساً ديبلوماسيّاً فارغاً.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار