علي عواد
أطلقت شركة «أوبن إيه آي» في السابع من آب (أغسطس) نموذج GPT-5، أحدث نسخة من نظام ChatGPT، ووضعت معه علامة فارقة في تطور الذكاء الاصطناعي. أعلن الرئيس التنفيذي سام ألتمان أنّ النموذج يعمل بمستوى فريق من الخبراء في مجالات متعددة، وأكد أن من يجرّبه لن يرغب في العودة إلى ما قبله.
دمجت الشركة قدرات GPT-5 في نسخة واحدة داخل ChatGPT، وزوّدته بمحرك داخلي يختار تلقائياً مستوى الأداء المناسب. عند الطلبات البسيطة يرد النموذج فوراً، وعند المهمات المعقدة يفعّل وضع التفكير العميق وينفذ الخطوات واحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى النتيجة.
حسّن GPT-5 مستوى الدقة، وخفّض نسبة الأخطاء بنسبة 45 في المئة مقارنة بالإصدارات السابقة، وزاد اعتماده على المراجع الموثوقة. يقرّ بعدم المعرفة عند غياب المعلومات، ويرفض الطلبات الخطرة أو التي تتضمن بيانات حساسة.
قدرة على الفهم الطويل
يتعامل GPT-5 مع نصوص ضخمة تصل إلى 256 ألف رمز. يقرأ كتاباً كاملاً أو أرشيف محادثات طويل، ثم ينتج ملخصاً واضحاً. هذه الميزة تمكّنه من إدارة مشاريع تمتد لأسابيع من دون فقدان أي تفصيل.
يستطيع الصحافي تحميل أرشيف مقالات عن ملف فساد، والحصول على تحليل يربط بين الوقائع والأسماء والتواريخ. يستخدمه الطبيب لمراجعة ملفات مرضى معقدة، واستخلاص خطة علاجية. يستعين به المهندس المعماري لتحليل مشروع بناء، واقتراح تعديلات تتوافق مع القوانين.
إصدارات وأسعار
طرحت الشركة ثلاثة إصدارات: Standard، وMini، وNano. صُممت Mini وNano للمهمات السريعة والكلفة المنخفضة، بينما يوفّر Standard أعلى دقة وقدرة تحليلية. تبدأ أسعار واجهة البرمجة للمطورين من 0.05 دولار لكل مليون رمز في Nano، وتصل إلى 10 دولارات في Standard.
يحصل المستخدمون المجانيون على النموذج مع حدود يومية، بينما يتيح اشتراك Plus بسعر 20 دولاراً شهرياً وصولاً أوسع وأداء أسرع وأولوية للميزات الجديدة، ويمنح اشتراك Pro بسعر 200 دولار شهرياً استخداماً غير محدود للنسخة الأكثر تقدماً.
تفكير بالأدوات
يدشّن GPT-5 مرحلة جديدة لوكلاء الذكاء الاصطناعي. يفكّر بالأدوات ويبني بها، ولا يكتفي باستدعائها. في الإصدارات السابقة استدعى النموذج أداة البحث مرة، ثم قدّم الإجابة. الآن يتعامل مع الأداة بوصفها جزءاً من مسار تفكير أكبر: يبحث، ويجمع، ويقارن، ويعيد الصياغة ضمن سلسلة مرتّبة من الخطوات.
تزداد قوة GPT-5 عند تزويده بأدوات مفتوحة ومرنة: بحث على الويب، تحليل بيانات داخلية، مفسر سطور برمجة، أو إجراءات تنفّذ أوامر حقيقية مثل تعديل ملف أو إطلاق واجهة مستخدم. يختار النموذج الأدوات المناسبة، ويشغّلها بالتوازي إذا لزم الأمر، ما يقلل زمن الإنجاز، ويفتح المجال أمام تطبيقات لم تكن ممكنة سابقاً.
تكامل مع الحياة اليومية
أضافت «أوبن إيه آي» إمكانيات جديدة داخل ChatGPT. أصبح في إمكان GPT-5 إدارة بريد غوغل والمواعيد في رزنامة غوغل. يبعث رسالة بريدية، أو يحدد موعداً مباشرة من داخل المحادثة.
أضافت الشركة ميزة «الأنماط الشخصية» التي تغيّر أسلوب الرد، فيمكن اختيار شخصية المستمع، أو الناقد، أو المحلل. هذه القدرات تحول ChatGPT إلى مركز عمل حقيقي. في مكتب محاماة يراجع النموذج عقداً من عشرين صفحة، ويستخرج البنود التي تحتاج إلى تعديل. في شركة تسويق يضع حملة دعائية كاملة، مع خطة نشر وجدول زمني وتقدير التكلفة.
أمثلة تطبيقية
يستخرج الطالب الجامعي ملخصات دقيقة لمحاضراته، مع أسئلة تدريبية. يضع صاحب المخبز خطة تسويق، وعروض مواسم، وحسابات ربح. يحلل المزارع الطقس والأسعار، ويحدد وقت البيع الأمثل.
يفرز الصحافي الوثائق، ويصنع خطاً زمنياً للأحداث. يخطط التاجر إستراتيجيات مبيعات موسمية. يصمّم المدرّس خططاً وأنشطة تعليمية ملائمة لكل مستوى. يستطيع صاحب النشاط الإعلامي أو المؤثر الاستغناء عن شركات إدارة المحتوى على السوشال ميديا، إذ يضع GPT-5 الجدول الزمني للنشر، ويقترح الوسوم، ويتابع التفاعل لتحسين الأداء في الوقت الفعلي.
ثورة في البرمجة
يعتبر GPT-5 اليوم أفضل نموذج في العالم للبرمجة. يكتب تطبيقات كاملة من وصف نصي واحد، ويحل مشكلات تقنية معقدة في كود ضخم. يحدد مكان الخطأ ويصححه، ويقترح تحسينات على الأداء. يضيف ميزات جديدة، ويحدث البرامج القديمة لتعمل مع إصدارات أحدث.
في اختبارات مبكرة حل GPT-5 مشكلات معقدة بين مكتبات برمجية خلال محاولة إضافة أدوات جديدة لمشروع كبير، بينما فشلت نماذج منافسة في ذلك. نفذ خطوات دقيقة: فحص الملفات، تشغيل أوامر تحليل، تدوين الملاحظات، ثم تعديل الأسطر المطلوبة في أكثر من مجلد.
يبني النموذج مواقع وتطبيقات جاهزة للإطلاق، مع تفاصيل مكتملة مثل قواعد البيانات وأسماء المشاريع، بدلاً من الاكتفاء بهياكل فارغة. يبرمج ألعاباً وأدوات رسومية بإضافات مفيدة، مثل حفظ مواقع الأيقونات أو تخزين الملفات محلياً.
حتى المستخدم العادي يمكنه الاستفادة: يكتب ما يريده بالكلمات، فينشئ GPT-5 الكود، يصلحه إذا تعطل، ويشرح طريقة تطويره خطوة خطوة. بذلك يمكن للأفراد والشركات الصغيرة إنتاج مواقع وتطبيقات بسرعة، وبكلفة منخفضة.
تحسين بيئة العمل
تقدّر الدراسات أن GPT-5 يقلل وقت إنجاز المهمات المكتبية بنسبة تصل إلى 40 في المئة. في خدمة الزبائن، يرد فورياً عبر الصوت أو النص. في الإعلام، يكتب مسودات جاهزة للتحرير. في التعليم، يضع خططاً دراسية، ويبتكر طرق شرح، ويعد اختبارات تلقائية.
يدعم GPT-5 أكثر من 50 لغة، ويتقن العربية بأسلوب مضبوط. ينتقل بين اللهجات واللغات في المحادثة الواحدة. في بيئة متعددة اللغات مثل لبنان، يدير المشروع نفسه بالعربية والفرنسية والإنكليزية بسلاسة.
نحو الذكاء الاصطناعي العام
يرى ألتمان أن GPT-5 يمهّد الطريق نحو الذكاء الاصطناعي العام AGI، أي النظام القادر على تنفيذ أي مهمة معرفية ينجزها الإنسان، من التحليل المعقد إلى الإبداع الفني. هذا يضع «أوبن إيه آي» في سباق مع عمالقة مثل غوغل وأنثروبك.
تتوقع «فايننشال تايمز» أن تصل إيرادات أوبن إيه آي إلى 20 مليار دولار قبل نهاية العام، بفضل استخدام GPT-5 في التعليم، والصحة، والإعلام، والتقنية. يتوقع محللون أن تدخل هذه النماذج في البنى التحتية الاقتصادية، من إدارة المدن الذكية إلى التخطيط الوطني.
يتوقع خبراء أن يعيد هذا المسار تشكيل العلاقة بين الإنسان والآلة جذرياً، فتتحول الأنظمة الذكية من أدوات ننفذ بها ما نريد، إلى شركاء يراقبون الواقع معنا، يحللون، يقترحون، ويشاركون في رسم المسار قبل أن نخطو الخطوة الأولى. تدخل في قراراتنا اليومية من أصغرها، مثل اختيار خطة تسويق أو جدول دراسة، إلى أكبرها، مثل التخطيط لمشاريع وطنية أو إدارة أزمات اقتصادية وصحية.
ومع ازدياد قدرتها على فهم السياق والتعلم من التجارب، تصبح جزءاً من بنيتنا المعرفية، ونقطة التقاء بين خبرتنا البشرية وسرعة الحوسبة الفائقة. اليوم بداية حكاية جديدة، والغد يحمل وعوداً أكبر مما نتخيل.ط
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار