آخر الأخبار
الرئيسية » أخبار الميدان » لا أفق لتكرار الاحتلال: غزة ترتقب نصيبها من الإبادة

لا أفق لتكرار الاحتلال: غزة ترتقب نصيبها من الإبادة

 

يوسف فارس

 

 

مع إقرار «كابينت الحرب» الإسرائيلي خطّة السيطرة العسكرية على قطاع غزة، يستعيد القادة السابقون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الانسحاب من القطاع في عام 2005، كواحد من الأحداث المفصليّة في التاريخ الحديث، والذي كان لا بدّ منه بعد استيطان استمرّ لـ38 عاماً. آنذاك، جاءت خطوة إعادة الانتشار والانسحاب الأحادي من 22 مستوطنة في غزة، بعد انتفاضة الأقصى الثانية التي استمرّت لأربع سنوات، في حين لم تكن الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الناشئة وقتها، تمتلك أزيد من إرادة القتال والمقاومة، وكميات محدودة جداً من السلاح الفردي المنخفض الأداء والنوعية، مع خبرة ميدانية وقتالية محدودة. هكذا، أفضت أربع سنوات من الضغط العسكري المتواصل، إلى تفكيك مجمع استيطاني بحجم «غوش قطيف» في جنوب القطاع، ومستوطنات كبرى في شمال غزة.

 

صحيح أن الاندفاعة الإسرائيلية التي أعقبت عملية «طوفان الأقصى» – ولم يحدث مثلها منذ نكبة عام 1948 -، تستهدف استغلال الحدث إلى أقصى مدًى، وصولاً إلى الهدم الكلّي للقطاع، ووضع السكان أمام خيارَي العيش في الجحيم – حيث لا منازل ولا حياة مدنية ولا تعليم -، أو الهجرة القسرية. إلا أن فكرة احتلال غزة مجدّداً بكل ما تحملها من أعباء، أحدثت جدلاً، ولا تزال، على مختلف المستويات؛ إذ نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصادر أمنية، قولها إن السيطرة على القطاع «كارثة تحمل مخاوف من تكرار سيناريو يسقط فيه الجنود والمدنيون»، فيما نقلت «القناة الـ12» العبرية عن رئيس أركان الجيش، إيال زامير، قوله في اجتماع «الكابينت»: «سنرسل الجنود إلى مصيدة موت في مدينة غزة».

 

كما أن الزخم الذي نالته الخطّة، أخذ يتراجع في الساعات اللاحقة لانتهاء اجتماع «الكابينت»، خصوصاً بعدما اعترض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموترتش، على الخطّة بوصفها لا تشير إلى عملية احتلال، ولا إلى سيطرة عسكرية كاملة على الأرض، ولا إلى السعي لحسمٍ، بل إلى عملية موضوعية ومحدودة هدفها الوحيد إعادة «حماس» إلى طاولة المفاوضات، وهو هدف لا يرقى إلى أن يكون هدفاً للحرب.

 

وعلى هذا، علّق مراسل قناة «كان»، سلمان مسودة، بالقول: «الخلاصة واضحة، جميع المنخرطين في إدارة الحرب سيمضون قدماً في الخطّة ولا أحد منهم راضٍ عنها، لا رئيس الحكومة ولا رئيس الأركان ولا وزراء الكابينت، ولا يوجد ضمان بأنها ستعيد الأسرى». وفي الإطار نفسه، قال مراسل «القناة الـ15» العبرية: «عندما لا يكون سموترتش ورئيس الأركان راضيَيْن عن الخطّة، فهذا يعني أنّ ثمة إجماعاً على أنها لن تؤدي إلى حسم أمام حماس، ولا إلى تحرير الرهائن».

 

سيدفع أهالي مدينة غزة ثمناً مريعاً، إذ سيُجبرون على مرحلة جديدة من التهجير والنزوح

 

وبمعزل عن الإفراط الإسرائيلي في تناول الجدل التفصيلي الموازي للقرار، فإن بيت القصيد هو أن الجيش سيتوجّه إلى مدينة غزة، آخر المناطق التي لا تزال تحافظ على طابعها العمراني، على رغم الدمار الجزئي الواسع فيها. وهنا، تحضر سيناريوات مؤلمة عن مدن مسحها الاحتلال عن وجه الأرض، من مثل رفح، بيت حانون، بيت لاهيا وخانيونس، ما يؤكد أن العدو يمضي في مسارٍ هدفه الأساس هو الهدم والتخريب، ويرفع قضايا من مثل حسم المعركة مع «حماس» واستعادة الأسرى، للتعمية على الهدف الرئيسي: تحويل قطاع غزة بأكمله إلى كومة من الركام.

 

بالعودة إلى الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، ومقارنته مع السلوك الميداني الحالي لجيش الاحتلال، يحضر عامل البقاء المؤقت والمحدود، أي تنفيذ الهدف الآنيّ مع الانسحاب في وقت لاحق كي لا تبقى قوات الجيش عرضة للاستنزاف والاستهداف، وهو ما فعله الأخير في المناطق كافة التي توغّل فيها ضمن عملية «مركبات جدعون». ففي الشجاعية والزيتون والتفاح وبيت لاهيا وتل الزعتر وجباليا البلد، دخلت الآليات الإسرائيلية، ودمّرت الأحياء بأكملها، ثم انسحبت من الميدان بعد أشهر، مبقيةً على استحكام ناري مَنَع السكان من العودة، مع قدرة نسبية على التحرّك.

 

يعني ذلك أن العدو لم يستطع، بعد عامين من الحرب، الوصول إلى صفر اشتباك في كل المناطق التي توغّل فيها، وهو ما يقوّض فرصة البقاء الطويل، لأن تمركز القوات سيجعل منها هدفاً أسهل لعمليات الاستنزاف والالتحام المباشر. ومع استحضار هذه النقطة، جنباً إلى جنب تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال السابقة التي ركّزت على سلامة القوات وعدم الوقوع في فخّ «حماس» ومحاذرة البقاء الطويل في القطاع، واعتماد عمليات الضغط المحدودة (الكوماندوس)، والغارات الجوية، تبدو نقطة الخلاف التي يتوقف عندها سموترتش في الخطة الجديدة، هي البقاء، أي الاحتلال، وهي المفردة التي حذفها نتنياهو لأسباب قيل إنها قانونية.

 

في الخلاصة، يتّجه جيش العدو بشكل جادّ إلى احتلال مدينة غزة كمرحلة أولى، بعملية برّية لا تحمل أهدافاً مغايرة لسابقاتها، مع هدف مضمر هو مزيد من التدمير والتخريب والهدم. غير أن هذه العملية، إذا كُتب لها التنفيذ، لن تتحوّل إلى احتلال كامل مع سيطرة أمنية، ولكن إلى إعادة إنتاج لعمليات سابقة، تحدّد الظروف الميدانية والتطوّرات السياسية حدودها وعمقها. وفي غضون ذلك، سيدفع أهالي مدينة غزة، ثمناً مريعاً، إذ سيُجبرون على مرحلة جديدة من التهجير والنزوح، وسيعودون، مثل ما عاد أهالي الشجاعية والزيتون والتفاح، إلى غابة من الركام لا ملامح فيها لبيوت ولا لأحياء كانت في يوم ما نابضة بالحياة.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إسرائيل تتوحّش… والسلطة تتفرّج: الضفة رهينة حرب الاستنزاف

  أحمد العبد   مع استمرار الاحتلال في استنزاف الضفة الغربية، من شمالها إلى أقصى جنوبها، تبدو السلطة الفلسطينية وكأنها تعيش في عالمٍ مواز، تركّز ...