نسرين جهاد حسن
لا شك أن ملايين السوريين ينظرون إلى العهد الجديد، عهد ما بعد الأسد أنه ” دولة المظلومين ” الدولة التي ستعيد للناس حقوقهم وتجبر الضرر، وتنصف المظلومين.
آمال كبيرة عقدت، ودموع غزيرة تكلل بها ذلك الصباح، صباح الثامن من كانون الأول.
دموع أمهات دفن قلوبهن مع أبنائهن في المعتقلات، وأطفال أكل وحل المخيم من أقدامهم ودفنت طفولتهم تحت الثلوج حيث نسيهم العالم أربعة عشر عاماً.
لكن ما لا تعرفه السلطة الجديدة في دمشق أن المظالم لا تقتصر على من ثاروا ضد الأسد، بل يمتد إلى كل بقعة من هذا الوطن المستنزف … إلى كل بيت وعائلة…
في الحقيقة لقد تنفس الشعب السوري كله الصعداء في صباح الثامن من كانون،
لقد دوت صرخة ” يا الله ” في سماء كل بقعة في هذا الوطن ذلك الصباح ..
وسمح الناس لأنفسهم أن يطلقوا العنان لأحلامهم لأول مرة منذ نصف قرن … دون خوف … دون قيود … دون مستقبل مجهول محكوم بالهجرة أو الموت على جبهات القتال أو تحت البراميل.
تدريجياً بعد ذلك بدأت تطلق شعارات هنا وهناك تنسب العهد الجديد لطائفة واحدة، وفئة واحدة وبدأت تنكسر أحلام مجموعات أخرى صارت تصلهم رسائل غير مباشرة أن هذا العهد ليس لهم، ولا دور لهم فيه وتهاوت آمال آلاف المظلومين في العدالة والمستقبل الأفضل.
حتى لو لم تكن الدولة هي من أرسلت هذه الرسائل عبر قنواتها ومؤسساتها الرسمية لكنها فشلت في أن توقفها وفشلت في أن تقدم نفسها حتى الآن كحامل للمشروع الوطني الذي ينطوي تحته الجميع… جميع المظلومين.
لا نشكك في النوايا هنا وإنما ننتقد الأدوات، ننتقد التبسيط الذي تتعامل فيه الحكومة الحالية مع خصوصية المجتمعات واحتياجاتها وتطلعاتها.
ننتقد عدم وجود أي خطة حتى الآن لتحليل السياق السوري والبيئات المتنوعة والذي بدونه سيبقى أي خطاب موجه للسوريين عاجزاً عن جذبهم إلى المظلة الجامعة.
في تجربة راوندا ما بعد الحرب مثلاً، تم تأسيس وزارة للمصالحة أطلقت هذه الوزارة مشروعاً وطنياً لتحليل المجتمع بطريقة علمية قبل البدء بأي سياسة في أي مجال وعلى أي مستوى.
تقف اليوم الحكومة السورية أمام استحقاقاتها الكبرى الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية العائلة والثقيلة، والتي لن تتمكن من المضي فيها قدماً دون أن تفهم توجهات المجتمع المختلفة والانزياحات السياسية والاجتماعية والفكرية التي أصابته خلال الأربعة عشر عاماً الماضية.
لا يجوز الاستمرار بالتعامل مع المجتمع السوري بهذه السطحية برأيي فالمجتمع السوري ليس طوائفاً دينية نستدعي قادتها كلما أردنا أن نوجه رسالة فقط، وليس عبارة عن أبناء الثورة و الفلول فقط، المجتمع السوري هو مجتمع غني ومعتقد يستحق من الحكومة دراسة معمقة تكون أساساً لأي استراتيجيات وطنية لاحقاً.
ومن هنا حتى يحصل ذلك، يجب أن تدرك الحكومة الحالية أن حملها ثقيل، وأمانتها صعبة جداً، فهي حرفياً دولة المظلومين … المقهورين … الملايين الذي نسيهم العالم من أبناء الثورة ومن غير أبناء الثورة… هؤلاء كلهم يستحقون وطناً يليق بمعاناتهم ويليق بأحلامهم..
(أخبار سوريا الوطن2-الكاتبة)