ضُبط توقيت السويداء على ساعة باريس، وتغيّرت اتجاهات البوصلة على وقع اجتماع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، الذي حمل في طياته متغيّرات لافتة وجب التوقف عندها وعند نتائجها، لكونها ستكون عوامل حاسمة في مستقبل السويداء والجنوب السوري، على الأمد الطويل.
لم تنشر الحكومة الإسرائيلية تفاصيل اللقاء، لكنّ إعلاماً سورياً رسمياً نقل معلومات مهمّة، وأشار إلى أن الشيباني وديرمر أكّدا “وحدة الأراضي السورية” ورفض أيّ مشاريع لتقسيمها، مع تشديد خاص على أنّ السويداء “جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري”، وهو جو مماثل لما نقلته وسائل إعلام عن مصادر ديبلوماسية، وهي مواقف جديدة تصدر عن إسرائيل.
تبدّل الموقف الإسرائيلي؟
هذا الموقف تزامن مع نقل وسائل إعلام معلومات مفادها أن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف دعا أحد مشايخ العقل في السويداء حكمت الهجري إلى العمل من أجل التوصّل لاتفاق مع السلطات السورية، ما يعكس جواً عاماً يشي بأن إسرائيل لا تدعم انفصال السويداء عن سوريا وتشييد الدروز كيانهم المستقل.
مصدر متابع لشؤون السويداء يتحدّث عن الواقع المستجد، ولا يبدي استغرابه من الموقف الإسرائيلي، بل يعتبر أن تل أبيب “حققت أجزاء من هدفها في الجنوب السوري، وتمكّنت من خلال تعزيز الشرخ بين الدروز ومحيطهم، والاشتباك الذي حصل، ثم تدخلها عسكرياً، من ترسيخ معادلات أمنية جديدة، قوامها منع قوات وزارة الدفاع من الانتشار جنوبي البلاد، وباتت بالتالي المنطقة منزوعة من السلاح الثقيل”.
السويداء (أ ف ب).
السويداء (أ ف ب).
طريف التقى ديرمر في باريس قبل لقاء الأخير مع الشيباني، وطلب منه ضمانات مرتبطة بالدروز. لكن وفق تقدير المصادر، فإنه موقف إعلامي موجه إلى الدروز “لكون إسرائيل لا تعيش هاجس حماية أقليات سوريا”، والترتيب السياسي في الجنوب السوري يقضي بأن تكون المنطقة أمنية منزوعة السلاح لا تشكّل خطراً على إسرائيل، على أن تكون شؤونها الاقتصادية والإدارية سورية ومن مسؤولية دمشق.
بتقدير المصدر، فإن إسرائيل “لم ترد حماية الدروز بل الاستثمار بهم”، والموقف المستجد، وإن غابت خلفياته ولم تكشف عنها إسرائيل، فإنه يشي بأن “الاستثمار انتهى” والمشاريع في سوريا “سلكت طريقها”، وبالتالي ما عاد الإسرائيليون “بحاجة إلى الدروز”، فشدّد ديرمر مع الشيباني على “وحدة سوريا” ودعا طريف الهجري إلى الاتفاق مع السلطات السورية.
اتصالات بين دمشق والسويداء
في سياق متصل، نشطت خلال الأيام الأخيرة اتصالات بين دمشق والسويداء. ووفق المعلومات، فإن السلطات السورية كلّفت وسطاء من قبلها للتواصل مع وجهاء وفاعلين من السويداء لا علاقة لهم بالهجري، بهدف ترتيب مباحثات بشأن مصير المحافظة ورؤية الطرفين لمستقبلها، والاتصالات مستمرّة لكنها لا تزال في مراحلها الأولى بانتظار تكليف شخصيات محددة للتفاوض وإطلاق برامج عمل.
هذه الاتصالات تزامنت مع إجراءات بدأت السلطات السورية باتخاذها، بينها العمل على تأمين خط دمشق – السويداء تمهيداً لفتحه، والضغط على العشائر للإفراج عن مختطفين دروز. وسجّلت مصادر ميدانية في السويداء انسحابات للأمن العام من العديد من المناطق والسماح للهيئات الإغاثية بالدخول إليها، وكلها إجراءات وضعتها مصادر السويداء في إطار “بوادر حسن النية” تمهيداً للمحادثات.
اقتنعت السلطات السورية بأهمية الحوار مع المكونات المذهبية بدل فرض السيطرة بالقوّة، وصدر موقف مهم عن الرئيس السوري أحمد الشرع في هذا السياق، قال خلاله إن توحيد سوريا “يجب ألا يكون بالدماء والقوة العسكرية”، وهو تصريح يندرج ضمن الجو المذكور سلفاً: محاولات الاتفاق بين دمشق والسويداء، لكن المصادر تقول إن المطلوب “خطوات ثقة” بعد الانتهاكات التي حصلت.
القناعة الدمشقية تقابل بقناعة درزية في السويداء مفادها أن سياسات الهجري كانت متطرفة. وفي هذا السياق، بدأت أصوات تعلو في معارضة توجهات الهجري الانفصالية وارتباطاته بإسرائيل، وتؤيّد الانفتاح على الحكومة بضمانات وشروط؛ وهذا الجو السياسي المتنامي في السويداء، واحتمالات الحوار مع دمشق، يفتح الباب على أسئلة حيال المستقبل السياسي للهجري واحتمال خروجه من المعادلة بعد انتهاء دوره.
في المحصلة، ما يمكن الخلوص إليه وفق الأجواء الحالية أن محاولات تجري بين السويداء ودمشق لمحاولة التوصّل إلى اتفاق انطلاقاً من عوامل عديدة؛ فالسويداء أيقنت خلال الأزمة أن بعدها الجغرافي والسياسي هو سوريا وليس الأردن أو إسرائيل، ودمشق عرفت أنها غير قادرة على فرض السيطرة بالقوّة، لكن العين على خطوات بناء الثقة وردم الفجوة التي صارت عميقة، وتحتاج إلى ضمانات ووقت.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار