آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » مهرجان «البندقية» يخلع ثوب الحياد: السينما صوت المهمّشين!

مهرجان «البندقية» يخلع ثوب الحياد: السينما صوت المهمّشين!

 

شفيق طبارة

 

في الدورة الـ82 من «مهرجان البندقية السينمائي» التي تنطلق بعد غدٍ الأربعاء، احتلّت غزة المشهد. ستشارك التونسية كوثر بن هنية بفيلمها «صوت هند رجب»، الذي يوثّق استشهاد الطفلة الغزاوية هند رجب، فيما أطلق عشرات السينمائيين مبادرة تطالب المهرجان بموقف واضح ضد الإبادة الإسرائيلية لغزة

 

البندقية | في جزيرو ليدو الساحرة، في مدينة البندقية التي دائماً ما احتضنت الفنّ كهوية وتاريخ، تنطلق بعد غدٍ فعاليات الدورة الثانية والثمانين من «مهرجان البندقية السينمائي الدولي»، أحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم. حتى 6 أيلول (سبتمبر)، يتحوّل هذا الركن الهادئ من البحر الأدرياتيكي إلى صالة سينمائية كبيرة، لا تكتفي بعرض الأفلام بل تعيد مساءلة علاقتها بالواقع الآني والخيال الجماعي. فـ «مهرجان البندقية»، الذي دائماً ما وُصف بأنه الأقل «تسييساً» بين المهرجانات الكبرى، يبدو هذا العام كأنّه خلع قناع الحياد، ليواجه العالم بما فيه من تناقضات، وصراعات، وأصوات مهمّشة. ودورة هذا العام لا تتجنّب القضايا الجيوسياسية.

 

المسابقة الرسمية: من الطفلة هند رجب إلى بوتين

في المسابقة الرسمية، تقدّم المخرجة التونسية كوثر بن هنية فيلم «صوت هند رجب»، الذي يروي القصة الحقيقية للطفلة الغزاوية التي استشهدت على إثر قصف إسرائيلي لمركبة كانت تقل عائلتها العام الماضي. ويقدّم الفرنسي أوليفييه أساياس فيلم «ساحر الكرملين»، إذ يؤدي الممثل جود لو دور فلاديمير بوتين في قصة تُروى من وجهة نظر مستشاره فلاديسلاف سوكوروف.

 

كما تقدم الأميركية كاثرين بيغلو فيلم الإثارة السياسية «بيت الديناميت» حيث تحاول مجموعة من مسؤولي البيت الأبيض التعامل مع هجوم صاروخي يستهدف الولايات المتحدة.

 

برنامج غني يجمع بين أفلام ضخمة لنجوم كبار وأعمال مستقلة ذات طموح جوائزي

 

ويشارك المخرج المجري الحائز جائزة الأوسكار لازلو نمش بفيلم «يتيم» الذي يجري بعد انتفاضة 1956 ضد الحكم السوفياتي.

الأفلام الوثائقية خارج المسابقة كذلك ذات البُعد السياسي: المخرجة الأميركية لورا بويتراس، التي اشتهرت بتوثيق ممارسات الرقابة الرقمية بعد أحداث 11 سبتمبر في فيلمها «المواطن الرابع» الذي أضاء على ادوارد سنودن، تعود بفيلم «التغطية» وهو بورتيه للصحافي الأميركي سيمور هيرش، الذي كشف مجزرة قرية ماي لاي عام 1969 في حرب فيتنام.

 

بريق هوليوودي وجرأة فنية

لا يزال المهرجان يحمل مزيجاً من البريق الهوليوودي والجرأة الفنية، في دورة مصمّمة لاستعادة مكانة المهرجان كمنصة إطلاق رئيسية لموسم الجوائز، بعد هيمنة «مهرجان كان» في العام الماضي. آخر فيلم فاز بجائزة الأوسكار بعد عرضه في البندقية كان «نومادلاند»، فهل تُعيد البندقية الكرّة هذا العام؟

 

المدير الفنّي للمهرجان ألبرتو باربيرا، كشف عن برنامج غني، يجمع بين أفلام ضخمة لنجوم كبار وأعمال مستقلة ذات طموح جوائزي، في توليفة سينمائية تتجاوز التصنيفات التقليدية.

 

يفتتح المهرجان فيلم «الجمال» للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو. ومن أبرز العروض المنتظرة «آلة التحطيم» للمخرج بيني صافدي، و«بوغونيا» لليوناني يورغوس لانثيموس، دائماً من بطولة إيما ستون، و«بعد الصيد» للوكا غوادانينو وبطولة جوليا روبرتس في أول ظهور لها على السجادة الحمراء في البندقية، في عرض خاص خارج المسابقة الرسمية.

 

أسطورة السينما المستقلة الأميركية جيم جارموش، الذي غاب عن «مهرجان كان» هذا العام، ينافس للمرة الأولى على جائزة «الأسد الذهبي» بفيلمه «أب أم أخت أخ». كما يعود مواطنه وزميله في الأفلام المستقلة نواه بومباك بفيلم «جاي كيلي» من بطولة جورج كلوني.

المكسيكي غييرمو ديل تورو يقدم في فيلم «فرانكشتاين»، اقتباساً جديداً لرواية ماري شيلي الشهيرة، ويؤدي فيه أوسكار إسحاق دور العالم المهووس، ويجسّد جاكوب إلوردي الوحش في معالجة تجمع بين الرعب الكلاسيكي والتأمل الفلسفي.

 

فرنسياً، إضافة إلى فيلم أوليفييه أساياس، يقدم المخرج الفرنسي فرانسوا أوزون فيلم «الغريب»، وهو اقتباس لرواية ألبير كامو الشهيرة.

وخارج المسابقة الرسمية، يقدم المخرج والرسام الأميركي جوليان شنابل فيلم «في يد دانتي» الذي يستعرض النشأة الإبداعية لملحمة الكوميديا الإلهية، ويضم أسماء مثل آل باتشينو، جيرارد بتلر، جون مالكوفيتش، ومارتن سكورسيزي في دور حكيم عجوز يوجه دانتي، الذي يؤديه أوسكار إسحاق.

 

لجنة التحكيم برئاسة ألكسندر باين

يرأس لجنة التحكيم هذا العام المخرج الأميركي ألكسندر باين، وتضم المخرج الإيراني المنفي محمد رسولوف، والممثلة البرازيلية فيرنندا توريس، والمخرج الروماني كريستيان مونغيو، إلى جانب أسماء أخرى، في دورة تبدو مصمّمة لتشكيل المزاج السينمائي العالمي، وإعادة تعريف العلاقة بين الفن، السياسة، والنجومية.

 

حضور لبناني وعربي: رحلة في الذاكرة والفقد

يشارك فيلمان من لبنان في البندقية هذا العام هما: «نجوم الأمل والألم» للمخرج سيريل عريس (مسابقة «أيام المؤلفين») من بطولة المخرجة والممثلة مونيا عقل بدور ياسمينة وحسن عقيل بدور نينو.

 

يدور الفيلم حول قصة حب تمتد لثلاثة عقود، بين نينو وياسمينة اللذين يجدان نفسيهما متحدين ويواجهان خياراً مستحيلاً بين الحبّ والبقاء، إذ يتعين عليهما اتخاذ قرار بشأن تكوين أسرة رغم المآسي التي تعصف بالبلاد. ويشارك في الفيلم كل من جوليا قصار، وكميل سلامة، وأنطوني كرم، ونادين شلهوب.

 

في المسابقة نفسها، تشارك اللبنانية لانا ضاهر بفيلمها الوثائقي «هدوء نسبي»، وهو رحلة شخصية وشاعرية عبر التراث السمعي البصري الغني للبنان، مُصاغة بالكامل من مواد أرشيفية، بالإضافة إلى لقطات شخصية للمخرجة.

 

يمتد الفيلم على مدى سبعة عقود من الأفلام والتلفزيون والأفلام المنزلية والصور الفوتوغرافية، ليرسم صورة نابضة بالحياة لروح بيروت. يلتقط الفيلم أصوات ورؤى المواطنين والفنانين وصانعي الأفلام، مُعيداً بناء تاريخ لم يوثّق في أي أرشيف رسمي.

 

كما تشارك المخرجة السعودية شهد أمين بفيلمها «هجرة»، الذي يتتبع امرأة مسنّة وحفيدتها في رحلة عبر الصحراء بحثاً عن فرد مفقود من عائلتها، مستكشفاً مواضيع الخسارة والإرث. وتقدّم المغربية مريم توزاني فيلمها الجديد «شارع مالقة»، وهو قصة شخصية عن امرأة مسنة تواجه فقدان منزلها وذكرياتها.

 

ويقدّم الجزائري يانيس كوسيم فيلمه «رقية» في «أسبوع النقّاد» فيما تتبع المخرجة الليبية جيهان منصور الكبخيا في فيلمها «بابا والقذافي»، رحلتها في كشف غموض اختفاء والدها، منصور رشيد الكيخيا، وزير خارجية ليبيا السابق، وسفيرها لدى الأمم المتحدة، وزعيم المعارضة السلمية للرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

 

بيان من أجل غزة

أطلق عدد كبير من العاملين في صناعة السينما، معظمهم من إيطاليا، نداءً يدعو «مهرجان البندقية» إلى اتخاذ موقف أكثر وضوحاً وفاعلية دعماً لفلسطين.

 

وقد اجتمع هؤلاء تحت شعار «البندقية من أجل فلسطين» (Venice4Palestine – V4P)، ونشروا السبت رسالة مفتوحة دعوا فيها المؤسسة الأم للمهرجان، وهي «بينالي البندقية»، إلى جانب الأقسام المستقلة الموازية مثل «أيام المؤلفين» و«أسبوع النقاد الدوليين»، إلى أن تكون أكثر جرأة في إدانة الإبادة الجماعية الجارية في غزة والتطهير العرقي في فلسطين.

 

وجاء في الرسالة: «بات العبء ثقيلاً جداً بحيث لا يمكن الاستمرار في العيش كما كنا من قبل. منذ ما يقارب عامين، تصلنا صور لا لبس فيها من قطاع غزة والضفة الغربية. نستمرّ، مذهولين وعاجزين، في مشاهدة إبادة جماعية تُنفذ على الهواء مباشرة من قبل دولة إسرائيل في فلسطين. لن يستطيع أحد أن يقول لاحقاً: «لم أكن أعلم، لم أكن أتصور، لم أكن أصدق»»

سارعت مؤسسة «بينالي البندقية» إلى الرد، مؤكدة في بيان على أنّ «البينالي والمهرجان كانا دائماً، عبر تاريخهما، فضاءً للنقاش المفتوح والحساسية تجاه القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه المجتمع والعالم». وأضافت: «الدليل على ذلك يتمثل أولاً في الأعمال المعروضة ضمن المهرجان»، مشيرةً إلى فيلم «صوت هند رجب».

 

أما «أيام المؤلفين»، فقط أعاد نشر البيان الذي سبق أن تبنته جهات دولية في «مهرجان كان»، بعد تحديثه ليتماشى مع التطورات الجارية في غزة والضفة الغربية.

 

وجاء فيه: «مهرجان تلو آخر، يستمرّ القتل. في «مهرجان كان»، اجتمع أكثر من ألف فنان ومهني سينمائي من مختلف أنحاء العالم لدعم بيان يعبّر عن الألم والغضب إثر مقتل فاطمة حسونة وعائلتها على يد الجيش الإسرائيلي. منذ ذلك الحين، لم يتوقف القتل. فقد قُتل الناشط السلمي والمعلم عودة الهذالين، عضو فريق الوثائقي الحائز جائزة الأوسكار «لا أرض أخرى»، على يد مستوطن في أم الخير.

 

كما قتلت إسرائيل الصحافي أنس الشريف وخمسة من زملائه في «الجزيرة»، إحدى آخر الفرق الصحافية العاملة في غزة. عدد المدنيين الذين يُقتلون يومياً، سواء على يد الجيش أو بسبب الجوع أو في السجون أو على يد المستوطنين، في تزايد مستمر. في غزة، الجميع هدف.

 

نحن، كفنانين وفاعلين ثقافيين، لا يمكننا أن نلتزم الصمت بينما تُرتكب إبادة جماعية (…) ما جدوى مهنتنا إن لم تكن لتوثيق التاريخ، ولإنتاج أفلام ملتزمة، ولحماية الأصوات المضطهدة؟ لنرفض أن يكون فنّنا شريكاً في الصمت. (…) فلنرفض الدعاية التي تستعمر خيالنا وتُفقدنا إنسانيتنا. نحن كثر (…) لدينا واجب أن نعكس التغيير المطلوب. يجب أن نتحمّل مسؤوليتنا في إيصال القصص والأصوات التي تموت في ظلّ اللامبالاة. من أجل فاطمة، من أجل عودة، من أجل أنس، من أجل كل الأطفال، النساء، كبار السن، الصحافيين، الأطباء، والمدنيين. السينما عليها واجب أن تحمل رسائلهم، أن تعكس مجتمعاتنا. فلنتحرّك قبل فوات الأوان.

 

من البندقية إلى غزة، علينا أن نستخدم قوتنا (…) ونستغل كل منصة لنطالب بوقف الإبادة الجماعية». أما «أسبوع النقّاد الدوليين» في المهرجان، فقد أعلن عن موقف واضح وحازم، قائلاً في بيان «إن الأفعال الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، التي تهدف إلى إبادته الكاملة، باتت غير محتملة. نحن، بالطبع، منفتحون على أي تبادل وحوار حول هذه القضايا خلال «مهرجان البندقية السينمائي»، حتى لا يدير عالم السينما ظهره لهذه الفظائع، ويكون شاهداً على الحاجة الملحة إلى وقف الإبادة الجارية».

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حنا مينه: بحار في عالم الكلمة لم يَرْسُ على شاطئ الصمت

ذات حينٍ من العقد الأول من الألفية الثالثة؛ ثمة من وجه نقداً، وصف بالحاد، حينما لٌقب الروائي السوري حينا مينه (1924- 2018)؛ بـ”همنغواي العرب”، في ...