يوسف فارس
على الهواء مباشرة، ارتكب جيش الاحتلال، صباح أمس، مجزرة بحق الصحافيين في قطاع غزة، ومعهم عدد من الممرّضين وعناصر الإسعاف والدفاع المدني.
الجريمة المركّبة وقعت في مستشفى «ناصر» الحكومي في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، حيث استهدف العدو بقذيفة أولى مبنى الياسين واغتال فيه مصوّر وكالة «رويترز» حسام المصري، ثم في أثناء تجمّع عدد من الصحافيين برفقة رجال الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني، سقطت قذيفة ثانية في وقت كانت فيه كاميرات القنوات الفضائية تنقل عبر البثّ المباشر وقائع الحدث، ليرتقي أربعة صحافيين آخرين شهداء، هم الصحافية المتعاونة مع وكالة «أسوشيتدبرس»، مريم أبو دقة، ومصوّر قناة «الجزيرة»، محمد سلامة، والمصوّر معاذ أبو طه، والصحافي في وكالة «قدس فيد»، أحمد أبو عزيز، بالإضافة إلى 11 شهيداً آخر من بينهم أطباء وممرّضون وضابط في جهاز الدفاع المدني. وفي مساء اليوم ذاته، اغتال جيش الاحتلال الصحافي حسن دوحان بطلق ناري استهدفه داخل خيمته في مواصي خانيونس.
التحقيقات التي نشرها العدو عن الحادثة زعمت كما العادة، إحساس الجنود بالتهديد لوجود كاميرا ترصدهم في منطقة العمليات. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فإنّ «الجنود تلقّوا أمراً باستهداف مصدر التهديد بواسطة صاروخ من طائرة مسيّرة، لكنهم أطلقوا قذيفة دبابة ثم قذيفة أخرى».
لكنّ هذا التبرير المعلّب والمكرّر الذي دحضته وقائع الحادثة الموثّقة على الهواء مباشرة، يتنافى مع ما رصده شهود عيان من وجود طائرة مسيّرة لم تغادر سماء مسرح الحدث قبل الاستهداف الأول وفي أثناء الاستهداف الثاني، ما يؤكّد أنّ الجريمة مقصودة لذاتها، وقد نفّذها العدو بطريقة المصيدة؛ إذ تعمّد اغتيال الصحافي الأول، ثم استغلّ تجمّع مجموعة من الصحافيين الذين يعرفهم بأسمائهم وهوّياتهم والجهات الدُّولية التي يعملون لصالحها، ونفّذ عملية الاغتيال الثانية لكسر عدسة الكاميرا التي تنقل الصورة عبر الوكالات الدُّولية إلى الإعلام الغربي والدُّولي.
يقرأ الصحافيون عملية الاستهداف على أنها امتداد لحملة مقصودة تهدف إلى إسكات صوتهم
غير أنّ ما لم يكن في الحسبان، هو أن تُنقل الجريمة الواضحة على الهواء مباشرة، وهو ما اضطرّ مكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لإصدار بيان أعرب فيه عن «أسفه» لمقتل الصحافيين والممرّضين والأطباء، زاعماً أنه سيفتح تحقيقاً في الحادثة، متغاضياً عن عشرات الجرائم التي ارتكبت بالطريقة نفسها، وآخرها قبل أسبوعين فقط، عندما اغتيل طاقم قناة «الجزيرة» في غزة كاملاً، وعلى رأسه الصحافيان أنس الشريف ومحمد قريقع. وفي مطلع أيار الماضي، قصف العدو بشكل متعمّد خيمة الصحافيين في محيط مجمع «ناصر» الطبي وقتل أربعة صحافيين حرقاً، ثم عاود قصف قسم الاستقبال والطوارئ واغتال الصحافي حسن أصليح وهو على فراش المرض. وفي مطلع عملية «مركبات جدعون» اغتال الاحتلال الصحافي حسام شبات. وبالمجزرة الأخيرة، يرتفع عدد الشهداء من الصحافيين منذ بداية الإبادة في قطاع غزة إلى 246 صحافياً، وهو ما يمثّل سابقة لجهة أعداد الصحافيين القتلى في الحروب الحديثة من الحربين العالميتين الأولى والثانية، حتى حروب العراق وأفغانستان ولبنان وإيران واليمن وسوريا.
وفي إطار ردود الفعل المجترّة نفسها، أسفت وكالتا «رويترز» و«أسوشيتدبرس» لمقتل الصحافيين، فيما عبّرت وزارة الخارجية الألمانية عن الشعور بـ«الفزع والصدمة لمقتل عدد من الصحافيين وأفراد الطوارئ والمدنيين في غارة جوية إسرائيلية على مستشفى ناصر». ودعت وزارة الخارجية الفرنسية، بدورها، إلى إجراء تحقيق في الواقعة، في حين دانت الخارجية البريطانية «القصف الإسرائيلي المروع الذي استهدف المستشفى»، وطالب وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، عبر منصة «إكس»، بحماية المدنيين والطواقم الطبية والصحافيين. وأعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من جهته، عن استيائه، وقال إنّ «الوضع في غزة مروع ولا يعجبني استهداف الصحافيين».
وفي الميدان، يقرأ الصحافيون عملية الاستهداف على أنها امتداد لحملة مقصودة لذاتها ترمي إلى إسكات صوت الصحافيين الذين تسبّبت تغطياتهم المتواصلة في صناعة رأي عام دُولي معادٍ لدولة الاحتلال. ومع ذلك، نظّم الصحافيون في مستشفى «ناصر» وقفة احتجاجية أكّدوا فيها مواصلة العمل الصحافي وفضح جرائم الاحتلال، أياً كانت التحديات والتضحيات والأكلاف.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار