لا يزال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يراهن على الخطاب التعبوي لتسويق حربه المفتوحة على قطاع غزة، محاولاً تزيينها بشعارات كبرى من قبيل «تغيير وجه الشرق الأوسط» و«حرب المصير» و«صراع الآلاف من السنين»، وذلك بهدف إضفاء شرعية تاريخية ودينية وسياسية على الحرب المستمرّة منذ قرابة عامين، والتي توسّعت نيرانها لتشمل لبنان وإيران واليمن وسوريا. لكنّ المفارقة أنّ الرجل ذاته، الذي يتحدّث صباحاً ومساءً عن «الحسم النهائي»، لا يتوقّف عن التشديد على الحاجة إلى مزيد من العمليات «الموسّعة» لتحقيق هذا الهدف، ما يكشف عن المأزق البنيوي الذي تغرق فيه حكومته وجيشه على حدٍّ سواء.
نتنياهو، الذي عاد ليؤكّد أنّ الحرب «اقتربت من مرحلتها الأخيرة»، والتي حدّدها بـ«القضاء النهائي على حماس»، لم يجدْ حرجاً في الإقرار بأنّ إسرائيل تخوض «معركة متواصلة منذ 3500 عام»، مضيفاً أنّ الجيش «سيفعل ما يتوجّب عليه فعله»، معيداً التذكير بأنه تلقّى طلباً من الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، بعدم دخول رفح، لكنه لم يلتزم به. كما زعم أنّ «تحرير غزة من حماس» هو الهدف، وليس «تفريغها من سكانها»، مضيفاً أنّ قطاع غزة «قد يكون له مستقبل مختلف في حال تدخّلت الولايات المتحدة لإدارته»، وهو ما أبدى استعداده للموافقة عليه.
وجاءت تصريحات نتنياهو في وقت كشفت فيه «قناة كان» العبرية أنّ «الكابينت» سيصوّت الأحد المقبل على «الخطّة العمليّاتية» لاحتلال مدينة غزة، وسيبحث آلية الردّ على موجة الاعتراف المتوقّعة بدولة فلسطينية الشهر المقبل، والتي قد تشمل إعلان «السيادة» على أجزاء من الضفّة الغربية.
ومع استمرار التمهيد للهجوم على غزة، لا تبدو المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أقلّ تخبّطاً من تلك السياسية في إستراتيجيّتها؛ إذ أعلن رئيس هيئة الأركان، إيال زامير، أنّ العمليات تتركّز حالياً على «توسيع الهجوم في مدينة غزة»، وأنّ الجيش «ملتزم بهزيمة حماس وإعادة المخطوفين»، فيما كشفت «القناة 12» العبرية أنّ 80% من مباني المدينة قد دُمّرت بالكامل، ما سيشكّل تحدّيات كبيرة أمام الجنود الذين سيدخلونها وسط أنفاق وكمائن ومبانٍ مفخّخة. أمّا إذاعة جيش الاحتلال، فكشفت عن تقليص مدّة تدريب قوات الاحتياط بنسبة 50% بسبب نقص في عدد المقاتلين، الأمر الذي يضيف بعداً جديداً إلى أزمة الموارد البشرية داخل المؤسسة العسكرية.
نتنياهو يروّج لإمكانية «حسم» المعركة مع «حماس» خلال أسابيع
وفي خضمّ ذلك، ترأّس الرئيس دونالد ترامب، اجتماعاً موسّعاً في «البيت الأبيض»، مساء أمس، لمناقشة «اليوم التالي» للحرب على غزة، بمشاركة كل من مستشاره السابق جاريد كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. وكشف موقع «أكسيوس» أنّ الاجتماع تناول «مقترحات لحكم غزة من دون حماس»، وزيادة المساعدات الغذائية للقطاع.
ونقل عن مسؤولين أميركيين أنّ ترامب قال لفريقه إنه «لم يعُد يحتمل رؤية ما يحدث في غزة»، وطلب الإسراع في التدخّل «لرعاية الناس»، علماً أنّ ترامب عاد وتراجع عن تصريحاته السابقة بشأن قرب نهاية الحرب (خلال أسبوعين…)، قائلاً: «لا شيء حاسماً، هذا الوضع مستمرّ منذ مدّة طويلة». من جهته، أكّد المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، أنّ «حماس منفتحة حالياً على تسوية»، وأنّ الإسرائيليين «مستعدّون لمواصلة المناقشات»، مرجّحاً انتهاء الحرب «قبل نهاية العام».
وبحسب ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصدر، فإنّ «إسرائيل تريد طرح خطّة لما بعد الحرب في غزة قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة». كما نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤولين قولهم إنّ «الاجتماع الذي ترأّسه ترمب يهدف إلى كسر الجمود في المفاوضات بين إسرائيل وحماس». وهو ما علّقت عليه «القناة 14» العبرية بالقول إنّ مجرّد عقد الاجتماع يعَدّ إشارة إلى رغبة واشنطن في وضع حدٍّ للحرب. وفي السياق نفسه، أفادت «القناة 15» العبرية بأنّ ترامب وجّه رسالة واضحة إلى إسرائيل تطالب بإنهاء سريع للحرب، بينما أوعز نتنياهو إلى وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، بالتفاوض على «صفقة شاملة لإنهاء الحرب وفق الشروط الإسرائيلية».
لكنّ الروايات المتضاربة تكشف حجم الفجوة بين ما يسوّقه نتنياهو لـ«البيت الأبيض» وبين الواقع الميداني والعسكري. إذ أكّد تقرير لصحيفة «هآرتس» العبرية، أنّ رئيس الوزراء أقنع ترامب بالتخلّي عن صفقة جزئية كانت قابلة للتنفيذ، وتبنّي خطّة عسكرية هجومية في مدينة غزة، لكنّه قدّم لـ«البيت الأبيض» وعداً غير قابل للتحقيق، يتمثّل بـ«الحسم في غضون أسابيع». ويأمل نتنياهو أن يتحقّق هذا الحسم قبل زيارة ترامب المرتقبة إلى بريطانيا في 17 أيلول/ سبتمبر، عارضاً عليه زيارة إسرائيل في تلك المدّة.
ومع ذلك، تشير التقديرات الاستخباراتية التي عرضت على «الكابينت»، مؤخّراً، إلى وجود «تناقض واضح مع تصريحات نتنياهو»، حيث تؤكّد مصادر أمنية أنّ «حماس لا تزال تحتفظ بقوّتها، ولن تتخلّى عن رؤيتها»، وأنّ مغادرة الجيش الإسرائيلي لـ«محور فيلادلفيا» ستمنح الحركة فرصة لإعادة بناء قوّتها. كما أنّ رئيس الأركان حذّر، وفق «هآرتس»، من «صعوبة تنفيذ احتلال مدينة غزة في ظلّ الأزمة البشرية والتجهيزات المتوفّرة»، وقد يكون هو نفسه يستخدم أسلوب نتنياهو لكسب الوقت، إلى أن يتراجع ترامب عن خطّة الاحتلال ويفرض على إسرائيل قبول الصفقة.
وفي هذا الوقت، لا تزال الوساطات تواجه انسداداً في الأفق؛ إذ نقلت «إذاعة الجيش» عن زعيم المعارضة، يائير لابيد، قوله إنّ الوسطاء أكّدوا له أنّ «حماس قبلت شروط نتنياهو»، وأنهم لا يفهمون لماذا لم تردّ الحكومة الإسرائيلية عليهم. كما أكّدت «القناة 13»، نقلاً عن مصادر أمنيّة، أنه «لا يوجد سبب واضح لرفض الحكومة الصفقة الجزئية».
أخبار سوريا الوطن-الأخبار