تشهد سوريا في العقود الأخيرة تدهوراً متسارعاً في المنظومة الزراعية نتيجة التغيرات المناخية المتفاقمة التي أفرزت أنماطاً بيئية غير مألوفة تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات الهطول المطري، وتكرار موجات الجفاف، وفي هذا السياق أصبحت الحاجة ملحة للبحث عن محاصيل زراعية تتسم بالمرونة البيئية والاستدامة الاقتصادية، وهنا تبرز زراعة اللوز بوصفها خياراً زراعياً استراتيجياً يجمع بين القدرة العالية على التكيّف مع الجفاف والحرارة، والقيمة الاقتصادية والغذائية المضافة.
71 ألف هكتار
وعن الواقع الراهن لزراعة اللوز عالمياً وفي سوريا، بينت الدكتورة وفاء قعيم معاون مدير إدارة بحوث البستنة/ رئيس قسم بحوث اللوزيات والأنواع محدودة الانتشار في وزارة الزراعة/ الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في تصريح لصحيفتنا “الحرية” أن اللوز يعد من المحاصيل ذات الأهمية الاقتصادية والزراعية، ويحتل موقعاً متقدماً بين محاصيل الفواكه ذات النواة الحجرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يزداد الطلب على ثماره بسبب قيمتها الغذائية والاقتصادية، ويعد من أقدم الأشجار المثمرة التي عرفها الإنسان إذ يُعتقد أنّ زراعته بدأت منذ أكثر من 3000 عام.
كما يتميز اللوز بتنوع وراثي كبير نظراً لتاريخ زراعته الطويل وتوزيعه الجغرافي الواسع بين مناطق البحر الأبيض المتوسط، الولايات المتحدة، والشرق الأوسط يشمل هذا التنوع مجموعة واسعة من الصفات الوراثية التي تؤثر على التكيف مع الظروف المناخية، مقاومة الأمراض، جودة الثمار، وسرعة النضج.
وتتمركز زراعة اللوز في مناطق المناخ المتوسطي، خاصةً في الولايات المتحدة (كاليفورنيا)، إسبانيا، إيطاليا، تركيا، والمغرب وسورية.
وبلغ إنتاج اللوز عالمياً نحو 3.21 مليون طن في عام 2023 وفق بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO, 2023)، وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية المنتج الأكبر، بحصة تفوق 60% من الإنتاج العالمي وبحوالي 2 مليون طن تليها إسبانيا بـ 200 ألف طن. وقد سجّلت كاليفورنيا وحدها أكثر من 1.8 مليون طن من اللوز مدعومة بتطور أساليب الري والزراعة الميكانيكية .
وتضيف قعيم: وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2023، تتجاوز المساحة المزروعة باللوز في سوريا الـ 71 ألف هكتار وبلغ عدد الأشجار المزروعة حوالي 26 مليون شجرة أنتجت ما يقارب 135 ألف طن وهي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وإيران والأولى عربياً قبل المغرب والجزائر، وتأتي محافظة حمص في المرتبة الأولى من حيث المساحة حوالي 58 ألف هكتار وبإنتاج يزيد على 110 آلاف طن .
د.قعيم: سوريا تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بزراعته وتعاني من الاعتماد الكبير على الأصناف التقليدية ضعيفة الإنتاجية أو المعرضة للتقلبات المناخية
خيار استراتيجي
أكدت قعيم أنّه في ظل التحديات المناخية التي تهدد استدامة القطاع الزراعي السوري، تبرز زراعة اللوز كخيار استراتيجي ذي جدوى بيئية واقتصادية عالية. ويأتي ذلك نتيجة لقدرة شجرة اللوز على التكيّف مع الجفاف، وملاءمتها للمناطق الهامشية والترب الفقيرة، وتحملها لمحدودية الموارد المائية، فضلاً عن مرونتها الفسيولوجية التي تمكّنها من الاستمرار في الإنتاج تحت ظروف مناخية متغيرة، وقيمتها الاقتصادية والاجتماعية.
التحديات
وبينت قعيم أنّه رغم المزايا البيئية والاقتصادية العديدة لشجرة اللوز، إلا أن زراعتها في سورية تواجه مجموعة من التحديات المتداخلة التي تعيق استغلال إمكاناتها الكاملة ضمن استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية، تتوزع هذه التحديات بين ضغوط مناخية متزايدة، ومحدودية الموارد، وضعف البنية التحتية الزراعية، ومحدودية الاستثمار في سلاسل القيمة المضافة.
وتواجه زراعة اللوز في سورية تحديات مناخية وبيئية أبرزها زيادة تواتر موجات الصقيع الربيعي، التي تؤدي إلى تلف البراعم الزهرية وتقليص الإنتاج في السنوات الباردة، كما ينعكس اختلال نمط توزيع الهطولات المطرية وعدم كفاية ساعات البرودة اللازمة لكسر السكون الشتوي مباشرة على الأداء الفيزيولوجي، ما يؤدي إلى اضطرابات فينولوجية قد تتمثل في فشل أو تأخر الإزهار، وخلق تباين واضح في توقيت الإزهار حتى ضمن الصنف الواحد، ما يضعف فعالية التلقيح والإخصاب، وضعف نسبة العقد، وتراجع النمو الخضري.
وأضافت قعيم: كما تعاني زراعة اللوز في سورية من الاعتماد الكبير على الأصناف التقليدية ضعيفة الإنتاجية أو المعرضة للتقلبات المناخية.
ونوهت بأن اللوز يشكل مادة خاماً رئيسية للعديد من الصناعات الغذائية، ما يعزز القيمة المضافة ويحفز الابتكار الصناعي، فدعم زراعته يؤدي إلى تحقيق التنمية الريفية المستدامة ويحسن دخل الأسر الزراعية، ما ينعكس إيجاباً على استقرار المجتمعات.
وفي الختام، تؤكد الدكتورة قعيم ضرورة صياغة رؤية وطنية متكاملة لتطوير زراعة اللوز في سورية، تجمع بين الأمن الغذائي، والحماية البيئية، والنمو الاقتصادي المستدام..