جو يرق
لا تُبنى قيمة الدولار الأميركي على عامل واحد، بل هي حصيلة شبكة معقّدة من السياسات النقدية والمالية، والوضع الاقتصادي الداخلي، والاعتبارات السياسية والجيوسياسية. هذه التفاعلات تحدّد ما إذا كان الدولار سيحافظ على مكانته كأقوى عملة في العالم، أم سيواجه ضغوطاً تضعف هيمنته.
السياسات النقدية وأسعار الفائدة
يُعدّ قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة من أبرز العوامل المؤثرة في قوة الدولار. فعندما تُرفع أسعار الفائدة، تصبح الاستثمارات المقوّمة بالدولار أكثر جاذبية، ما يعزز الطلب على العملة الأميركية ويرفع قيمتها. في المقابل، يؤدي خفض الفائدة إلى تراجع عوائد الاستثمار وانخفاض الطلب على الدولار، ما يضعف مكانته في الأسواق العالمية.
الاستقرار السياسي وثقة الأسواق
يُعتبر المناخ السياسي عنصراً حاسماً في تحديد اتجاه الدولار. فعدم الاستقرار السياسي وغياب وضوح السياسات الحكومية، يثيران شكوك المستثمرين حيال موثوقية الدولار كعملة احتياط دولية. هذه المخاوف تنعكس مباشرة في انخفاض الطلب عليه وتراجع قيمته.
العجز المالي والدين العام
الارتفاع المستمر في العجز المالي وتفاقم الدين العام الأميركي يثيران القلق حيال استدامة المالية العامة. ومع زيادة حجم الاقتراض الحكومي، يتخوّف المستثمرون من فقدان الثقة بقدرة الولايات المتحدة على ضبط أوضاعها المالية، ما يؤدي إلى ضغوط هبوطية على الدولار.
الميزان التجاري
العجز في الميزان التجاري الأميركي يُعدّ عاملاً إضافياً يضغط على الدولار. فعندما تستورد الولايات المتحدة أكثر مما تُصدّر، يخرج المزيد من الدولارات إلى الخارج، ما يزيد المعروض منها عالمياً
ويؤدي إلى تراجع قيمتها أمام العملات الأخرى.
إزالة الدولرة وتراجع الهيمنة
تتصاعد في السنوات الأخيرة ظاهرة “إزالة الدولرة” (De-dollarization)، أي سعي بعض الدول، مثل الصين وروسيا، إلى تقليل اعتمادها على الدولار في المعاملات التجارية والمالية الدولية. ويجري ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية أو جماعية تعتمد على العملات المحلية. هذه الخطوات تقلّص من الطلب العالمي على الدولار، وتُضعف تدريجياً دوره المركزي كعملة احتياط ووسيط أساسي للتجارة. وإذا استمر هذا الاتجاه، قد يجد الدولار نفسه أمام تحدٍّ استراتيجي طويل الأمد في النظام المالي العالمي.
التضخم وتباطؤ الاقتصاد الأميركي
عندما ترتفع معدلات التضخم من دون أن يقابلها رفع أسعار الفائدة، تتراجع القوة الشرائية للدولار داخل الولايات المتحدة وخارجها. هذا التآكل في القدرة الشرائية يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة في الأسواق الدولية.
أما إذا تباطأ أداء الاقتصاد الأميركي مقارنةً باقتصادات أخرى مثل الصين أو منطقة اليورو، فإن المستثمرين يفضّلون توجيه أموالهم نحو تلك الاقتصادات الأسرع نمواً. النتيجة: تراجع الطلب على الدولار وضعف قيمته عالمياً.
العملات المنافسة: هل تهدد عرش الدولار؟
رغم أن الدولار ما زال يحتفظ بمكانته كعملة الاحتياط الأولى عالمياً، فإن صعود عملات أخرى مثل اليورو واليوان الصيني، إضافة إلى التطور المتسارع للعملات الرقمية السيادية، قد يُشكّل تهديداً تدريجياً لهيمنته. فكلما ازدادت الثقة بهذه البدائل واتسع استخدامها في التجارة والاحتياطيات الدولية، تقلّصت حاجة العالم إلى الدولار.
ومع ذلك، تبقى قوة الدولار أو ضعفه نتيجة تفاعل بين عناصر عدة متداخلة: السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، الأداء الاقتصادي الأميركي، أوضاع الدين والعجز، فضلاً عن التطورات السياسية والجيوسياسية، ما يعني أن مستقبل الدولار لن يتحدد بعامل واحد، بل بمحصلة معقدة من قرارات وسياسات وظروف عالمية متغيرة.
*جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية – Cedra Markets
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار