أنهى وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني جولته الأميركية، وحضّر الأرضية المناسبة لوصول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة. تعرف سوريا أن القرار الفعلي يكمن في أميركا لا في تركيا أو إسرائيل، ولهذا السبب تحمل الزيارتان أوزار المرحلة السياسية السورية الدقيقة، لكون الاعتقاد السائد أن محطة الولايات المتحدة ستكون فاصلة في تاريخ سوريا الحديث.
الجولة المكوكية، التي قام بها الشيباني في الولايات المتحدة، شملت دوائر قرار السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد في مجلسي النواب والشيوخ ووزارتي الخارجية والخزانة؛ والأهداف واضحة: دعم المسار السياسي الحالي في سوريا، وإعادة البلاد إلى المنظومة السياسية الدولية، ورفع العقوبات عنها، والتعاون معها لتثبيت حالة استقرار أمنيّة محليّة وإقليميّة.
كواليس جولة الشيباني
الديبلوماسي السوري السابق الموجود في الولايات المتحدة، بسّام بربندي، يشرح لـ”النهار” تفاصيل لقاءات الشيباني، ويقول “حملت هدفين: الأول عقد اللقاءات مع أعضاء الكونغرس، ووضعهم في أجواء المفاوضات السورية الإسرائيلية؛ الثاني مطالبتهم برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. وقد تمكّن الشيباني من عكس صورة إيجابية جديدة عن سوريا، لكنه لم يصل إلى نتيجة ثابتة في هذه القضية”.
الولايات المتحدة أبدت “موقفاً منفتحاً” على المبادرة السورية تجاهها، لكن الانفتاح مشروط بجملة من المعايير. الاعتقاد الأميركي السائد في أروقة السياسة يقول “يحق لسوريا أخذ فرصتها”، وفق ما يوصّف بربندي الواقع. ولكن ذلك لا يعني الانفتاح التام، بل سياسة الخطوة مقابل خطوة، والتدرّج في العلاقة، فرفع العقوبات يجب أن يقابل بتحقيق مطالب أميركية.
المطالب الأميركية كثيرة، تتوزّع على ميادين السياسة والأمن والاقتصاد. تريد الولايات المتحدة اتفاقاً بين دمشق وتل أبيب، وخفضاً للتصعيد بين أنقرة وتل أبيب في الميدان السوري. وتريد منع عودة إيران إلى سوريا ومنها إلى لبنان والبحر المتوسط، وإنهاء وجود التنظيمات المتطرفة. ويضاف إلى هذه المطالب وقف تبييض الأموال وتجارة المخدرات والسلاح وتمويل الإرهاب.
رؤية استراتيجية أوسع من سوريا
الرؤية الأميركية لسوريا الجديدة استراتيجية، ولكن ثمّة شكوكاً حيال قدرة السلطات السورية على تحقيقها. يقول بربندي إن سوريا فعلت ما هي قادرة عليه، كعقد مفاوضات سلام مع إسرائيل. لكن ثمّة نقاط أخرى خارجة عن سلطتها، كالحفاظ على الأمن المحلي، وما يحمل ذلك من تداعيات داخلية وإقليمية. وآفاق العلاقة “تتسع وتضيق” مقارنة بما تستطيع ولا تستطيع تنفيذه.
ترى الولايات المتحدة سوريا مركزاً للمنطقة، ولهذا السبب تنطلق منها. العلاقة مع سوريا لا تقتصر على مستقبلها فحسب، بل على مستقبل الإقليم. بالتالي، النظرة إليها استراتيجية، وفق ما يشير بربندي. استقرار سوريا يعني استقرار لبنان والعراق وفلسطين، وخفض التصعيد بين تركيا وإسرائيل، كما يغني عائقاً أمام عودة إيران والتطرف السني والشيعي وتهريب المخدرات والإرهاب؛ ولهذا السبب تعمل الولايات المتحدة على استقرار سوريا.
هذه الرؤية الاستراتيجية، وما تحمل في طيّاتها من مطالب قد يكون أغلبها خارج نطاق قدرات السلطات السورية على تحقيقها، تدفع سوريا إلى المطالبة برفع العقوبات وإطلاق التعاون السياسي والأمني. لا يمكن لسوريا بحالتها اليوم تحقيق هذه المطالب الصعبة، وتحتاج إلى موارد مادية بالدرجة الأولى، وإلى زخم سياسيّ وتعاون أمنيّ، وهذا كان جوهر اللقاءات السورية – الأميركية.
بغض النظر عن النتائج التي ستتضح في الأيام والأسابيع المقبلة، فإنه من الممكن اعتبار زيارة الشيباني ناجحة بالشكل. تمكّنت السلطات السورية من العودة إلى المجتمع الدولي وعرض وجهة نظرها أمام الدوائر الأميركية، وهذا ما يشكّل نصف الطريق نحو العودة الكاملة إلى منظومة العمل الاقتصادي والسياسي الدولي، في وقت تتجه الأنظار نحو زيارة الشرع وما يمكن أن يحققه خلال قمّة الأمم المتحدة، وعلى هامشها.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار