آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » الصحفي في زمن الانفعال.. من ناقل للأخبار إلى حارس للوعي

الصحفي في زمن الانفعال.. من ناقل للأخبار إلى حارس للوعي

  • كيف يمكن للصحفي أن يوازن بين واقعه كـ”إنسان” يتأثر عاطفياً بالخبر، وواجبه كـ”محترف” يجب أن يحافظ على موضوعيته؟
  • ماذا يعني أن يكون الصحفي “حارساً للعقل العام” عملياً، وما هي المهارات الجديدة التي يتطلبها هذا الدور؟

يسبح جمهورنا اليوم في محيط من المحتوى المُصمم لإثارة غرائزه، لا لعقله. الخوارزميات تتغذى على غضبنا، وحسابات التواصل الاجتماعي تبيعنا اليقين السريع بدلاً من الأسئلة الصعبة. في هذا المشهد، لم يعد دور الصحفي مجرد مراسل ينقل الأخبار، بل تحوّل إلى حارس لأهم ما نملكقدرتنا الجماعية على التفكير.
تكشف الدراسات في علم النفس والاجتماع الإعلامي أن العواطف القوية تمنع الوصول إلى الرأي الصحيح، وتجعلنا أكثر عرضة للاستقطاب والتضليل. هنا بالضبط تكمن المعضلة والأمل: هل يستطيع الصحفي أن يظل منارةً للعقلانية في عاصفة الانفعالات؟ الإجابة ليست فقط “نعم”، بل إنها أصبحت واجبه الأخلاقي والمهني الأول.

الصحفي كحارس للعقل العام

لم يعد يكفي أن تنقل “ماذا” حدث. المهمة الجديدة هي تفسير “لماذا” و”كيف” و”ماذا بعد؟”. لقد تحوّل الصحفي من مجرد ناقل إلى:

  • مُفسّر للسياق: يحلل الخبر ضمن إطاره التاريخي والاجتماعي والاقتصادي الأوسع.
  • مهندس للوعي: يصيغ السرديات التي تساعد الجمهور على فهم التعقيد، لا الخوف منه.
  • جسر للثقة: يبني علاقة مع جمهوره قائمة على الشفافية والصراحة حول منهجه ومصادره، في زمن انهيار الثقة في المؤسسات.

الثقافة الإعلامية النقدية لم تعد ترفًا؛ إنها ضرورة حتمية للجمهور والصحفي على حد سواء.
هنا نسأل: لماذا يفشل الإعلام أحيانًا في أن يكون جسرًا للتفاهم، بل يتحول إلى أداة لتعميق الاستقطاب؟

فن طرح الأسئلة المفتوحة

يعتمد الخطاب الشعبوي، على تقسيم العالم إلى معسكرين: الخيّرون والأشرار. مهمة الصحفي هي كسر هذا النموذج بأسئلة تعقّد الصورة بدلاً من تبسيطها. ليس السؤال: “من المتورط؟”، بل:

  • أسئلة السياق: “ما الظروف التي جعلت هذا الحدث ممكنًا؟”
  • أسئلة الغائبين: “من الذي لم نسمع صوته في هذه القضية؟ ولماذا؟”
  • أسئلة العواقب: “ماذا يعني هذا القرار على المدى القريب والمدى البعيد؟ وكيف سيؤثر على الفئات الأكثر هشاشة؟”

هذه الأسئلة لا تقدم إجابات جاهزة، بل تحفز القارئ على المشاركة في صناعة المعنى، وهي النقيض التام للتلقي السلبي.

سرد ذاتي

في مسيرتي المهنية التي امتدت عبر سنوات من العمل الصحفي والتحريري، الصحفي والتلفزيوني، ومدونة وطن esyria، تنقلت بين غرف الأخبار والتحقيقات والعلوم والخدمات، حاملاً شغفًا لا يهدأ تجاه الحقيقة، والدقة، والتأثير الإيجابي في الوعي العام. لم يكن هدفي يومًا مجرد نقل الأحداث، بل السعي لفهم السياقات، وطرح الأسئلة التي تفتح آفاق التفكير، لا تلك التي تغلقها.
ومن خلال عملي في التدريب، كنت أؤكد أن الصحافة ليست فقط مهنة، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية تتطلب يقظة نقدية دائمة، خاصة في عصر تتسارع فيه الانفعالات وتُختزل فيه القضايا.
أؤمن بأن الصحفي اليوم يجب أن يكون حارسًا للعقل العام، لا مجرد ناقل للانطباعات، وأن مهمته تبدأ حين ينتهي الخبر.

أدوات التحقق.. والعقل النقدي

ثمة حاجة ماسة للأدوات الرقمية للتحقق (مثل InVID للفيديو، أو Google Reverse Image Search). لكن الأهم هو الأدوات الفكرية التي تبدأ بمراعاة وجهات نظر متعددة، ليس لأنها “وجهة نظر أخرى”، بل لأن الحقيقة غالبًا ما تتشكّل في المساحة بينها. والتمحيص الدائم، السؤال عن مصدر المعلومة ودافعه وتحيزاته المحتملة، وكذلك تحيزاتنا نحن كصحفيين. وتقييم العواقب، قبل نشر أي خبر، والتوقف لحظة للتفكير: ما الأثر العاطفي والاجتماعي لهذا الخبر؟ هل سيثير الذعر؟ هل سيُستخدم في خطاب كراهية؟
التحقق التقني من دون عقل نقدي هو مثل امتلاك سيارة فارهة من دون معرفة طريق السفر.

 

 

نماذح صحفية ناجحة

ليست العاطفة عدوّة الصحافة، لكنها يجب ألا تكون قائدتها. النماذج الناجحة هي التي توازن بين الشرح الموضوعي والتأثير الإنساني، مثل:
صحافة الحلول: بدلاً من الاقتصار على تناول مشكلة كالفقر، يتجه هذا النهج إلى تسليط الضوء على تجربة مجتمعية ناجحة في التصدي لها، مقدماً رواية غنية بالأدلة والتفاصيل الدقيقة، تهدف إلى الإلهام وإبراز الحلول بدلاً من إثارة الغضب والسلبية.
التغطية التوضيحية: كما في عمل منصات مثل “إنهاك” أو “الكونفيرسيشن“، التي تخصص مساحات لشرح “كيف تعمل الأشياء” – من تغير المناخ إلى النظام المصرفي – بلغة واضحة دون إفراغ الموضوع من تعقيده.
التحقيقات البنيوية: تحقيقات لا تكتفي بكشف فساد شخص، بل تُظهر المنظومة التي مكّنته وسمحت بوجودهِ.
في تنافس السبق الإعلامي، لنتذكّر دائمًا: “الأسرع ليس دائمًا الأصح، والأصح هو الأبقى أثرًا“.

من مهنة إلى مسؤولية

الصحافة اليوم ليست مجرد مهنة؛ إنها مسؤولية معرفية وأخلاقية أمام المجتمع. أن تكون حارسًا للتفكير النقدي يعني أن تختار الطريق الأصعب: طريق الأسئلة بدلاً من اليقين، والتعقيد بدلاً من التبسيط، والثقة المُكتسبة بشق الأنفس بدلاً من التفاعل السريع الرخيص.
لن يحدث هذا بين ليلة وضحاها. فهو يتطلب مؤسسات إعلامية تتبنى نماذج “الصحافة البطيئة” وتستثمر في التحقيقات والتفسير.وصحفيين يتبنون عقلية التعلّم الدائم، ويتدربون على مهارات الذكاء العاطفي والتفكير النقدي. ومؤسسات تعليمية تدمج فلسفة النقد وتحليل الخطاب ومنهجية الشك في صلب مناهجها.
أخيراً… ماذا يحدث للمجتمع عندما تتفوق سرديات الانفعال والعاطفة على سرديات العقل والتحليل؟.

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التعليم العالي السورية تعلن قواعد النقل والتحويل المماثل من الجامعات غير السورية

    أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اليوم، قواعد قبول النقل والتحويل (المماثل) من الجامعات غير السورية إلى الجامعات السورية للعام الدراسي 2025-2026.   ...