المهندس نضال رشيد بكور
كثيراً ما يظن أنّ السيطرة الكاملة على مجريات الأمور ممكنة : يخطط بدقة ، يحسب الاحتمالات ، يقلق من الغد ، ويُثقل كاهله بالخشية من المجهول . غير أنّ الحقيقة التي لا مفر منها أنّ هناك مساحة واسعة من الأحداث والنتائج خارجة عن إرادتنا.
وهنا تتجلّى إحدى أعظم القيم القرآنية :
التوكل على الله.
يقول الحق سبحانه:
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
إنها ليست مجرد آية
بل فلسفة عميقة تعيد صياغة علاقتنا بالكون : كل ما يقع لنا مكتوب بحكمة ربانية ، لا يغيب عن عين الله ، ولا يقع خارج رحمته.
وقد بيّن النبي ﷺ المعنى العملي لهذا التوكل حين قال :
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً
الطير لا تبقى في أعشاشها مكتوفة الأجنحة
بل تسعى وتبذل جهدها ، لكنها في النهاية تنال رزقها بما كتبه الله لها.
إذاً التوكل ليس ضعفاً أو استسلاماً بل هو مزيج من السعي البشري والثقة الإلهية.
هو أن تبذل جهدك وتفرغ وسعك ، ثم تضع قلبك بين يدي الله مطمئناً أن ما كتبه لك سيصلك ، وما صرفه عنك كان رحمةً بك.
وحين نعيد قراءة حياتنا من هذا المنظور ، نجد أن القلق يتلاشى شيئاً فشيئاً.
فالمستقبل لم يعد تهديداً بل فرصة ، والقدر لم يعد غموضاً مخيفاً بل رسالة حب من الله لعبده.
يقول تعالى :
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه
أي أنّه كافيه ، ومَن كفاه الله فماذا عساه يخاف؟
في يوم الجمعة ، يوم الاجتماع والسكينة ، نتذكّر أن التوكل ليس مجرّد كلمة نرددها
بل هو طريق للحرية الداخلية :
حرية من القلق ، ومن الخوف ، ومن ثقل الوهم أننا نتحكم بكل شيء. التوكل يعلّمنا أن نسعى بوعي ، ونطمئن بصدق ، ونستسلم لربٍّ لا ينسى ولا يغفل .
فليكن شعارنا في هذا اليوم المبارك:
وعلى الله فليتوكل المؤمنون
جمعة مباركة بإذن الله تعالى
تقبل الله طاعاتكم
(موقع اخبار سوريا الوطن1-الكاتب)