لا تزال حادثتا استهداف سفينتين مشاركتين في “أسطول الصمود العالمي” قبل نحو أسبوعين في ميناء سيدي بوسعيد، موضع جدل واسع في تونس، خصوصاً بعد صدور تصريحات جديدة عن رؤساء ومسؤولين بارزين حمّلوا إسرائيل المسؤولية، فيما تواصل السلطات التونسية التزام الصمت.
فقد تعرضت باخرة إسبانية وأخرى بريطانية لهجوم أثناء رسوهما في الميناء. وقالت السلطات في البداية إن الحادث ناجم عن حريق، قبل أن تعود وتصفه بأنه “عمل مدبَّر”.
اعتداء إسرائيلي
وبينما اكتفت السلطات التونسية بالإعلان عن فتح تحقيق “للوقوف على حقيقة ما جرى”، جاءت تصريحات رسمية لقادة ومسؤولين أميركيين لتؤكد ضلوع إسرائيل في الهجوم. ففي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى تونس كإحدى الدول التي تعرضت لاعتداء إسرائيلي. كما تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال القمة العربية الإسلامية في الدوحة قبل أيام، عن “امتداد الاعتداءات الإسرائيلية” إلى عدة دول، من بينها تونس.
وفي السياق نفسه، أقرّ مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط إلى سوريا ولبنان توم براك بأن إسرائيل “قصفت تونس” على غرار لبنان وسوريا والأردن، ليكون بذلك أول مسؤول أميركي يقرّ بمسؤولية تل أبيب عن الهجوم.
أما في إسبانيا، فقد كلّف وزير الخارجية سفير بلاده في تونس بمتابعة التحقيقات بشأن الهجوم بطائرة مسيّرة على سفن الأسطول في المياه التونسية.
دعوات لكشف الحقيقة
هذه التطورات أثارت نقاشاً واسعاً في تونس حيال أسباب صمت السلطات عن توجيه الاتهام المباشر لإسرائيل. وطالب معارضون بكشف الحقيقة، إذ اعتبر السياسي هشام العجبوني، في منشور على فايسبوك، أن السلطات التونسية مطالَبة بعد هذه التصريحات بالتعامل مع التونسيين “كمواطنين لا كرعايا”.
من جانبها، انتقدت “حركة حق” في بيان الصمت الرسمي للسلطات بعد اعتراف براك، مؤكدة أنها لا تزال متمسكة بروايتها الأولى “بينما العالم كله يشير إلى الفاعل”. وأضافت أن “التعامل السياسي والديبلوماسي الضروري غائب بشكل يدعو إلى الدهشة”، مطالبةً بالشفافية الكاملة وكشف الحقائق أمام الشعب التونسي “صاحب السيادة”.
تريّث محسوب
لكن مراقبين يرون أن صمت السلطات التونسية مدروس، ويعكس رغبة في التريث قبل الإعلان عن النتائج. ويقول المحلل السياسي إبراهيم الغربي، لـ”النهار”، إن السلطات ربما فضّلت إنهاء تحقيقاتها أولاً للكشف عن الفاعلين وتوضيح التفاصيل للرأي العام، خصوصاً أن سفن الأسطول كانت لا تزال راسية في الموانئ التونسية حينها.
الذاكرة المثقلة بالاعتداءات
حادثة “أسطول الصمود” ليست الأولى التي يُذكر فيها اسم تونس في سياق اعتداءات إسرائيلية خارجية. فالذاكرة التونسية لا تزال مثقلة بعدة أحداث، أبرزها قصف منطقة حمّام الشط في الضاحية الجنوبية للعاصمة في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1985، حين أغارت طائرات إسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من التونسيين والفلسطينيين. وقد أدان مجلس الأمن الدولي حينها العملية باعتبارها اعتداءً على السيادة التونسية.
وفي 16 نيسان/ أبريل 1988، اغتالت وحدة “سييرت متكال” بقيادة موشيه يعلون، خليل الوزير (أبو جهاد)، أحد أبرز قادة الحركة الوطنية الفلسطينية، في منزله بسيدي بوسعيد. كما اتهمت حركة “حماس” عام 2016 جهاز “الموساد” باغتيال المهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله في صفاقس.
دعوات إلى الأمم المتحدة
ورغم صمت السلطات التونسية حتى الآن بشأن ما جرى في ميناء سيدي بوسعيد، تعالت أصوات تطالب بالتوجه إلى المؤسسات الدولية لمساءلة إسرائيل، على غرار ما حدث بعد اعتداء حمّام الشط. ودعت حركة “حق” السلطات إلى “الدفاع عن السيادة الوطنية بإحالة ملف الاعتداء بالطائرات المسيّرة على الأراضي التونسية إلى مجلس الأمن”.
ورغم أن حادثة “أسطول الصمود” أعادت فتح جراح قديمة في الذاكرة التونسية مع الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنها أعادت أيضاً النقاش بشأن قدرة الدول على حماية سيادتها واللجوء إلى المؤسسات الدولية، في ظل انحياز هذه الأخيرة الواضح لإسرائيل.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار