علي عبود
ترفض الحكومات العربية بعناد غريب الإقتداء بتجارب الدول المتقدمة التي أجادت استثمار إمكاناتها البشرية وثرواتها الطبيعية!
ولا نبالغ بالقول إن الدول العربية التي توصف منذ عقود بالنامية ، ايّ الفقيرة، لو استثمرت إمكاناتها من خلال خطط خمسية أوعشرية، واعتمدت على الذات بدلا من الإستيراد واستجرار القروض والمساعدات لكانت اليوم في عداد الدول الغنية، لكن حكوماتها آثرت الإعتماد على الخارج!
لاحظوا إن الشغل الشاغل لكل الحكومات العربية هوجذب الإستثمارات الخارجية لإقامة مشاريع صناعية وخدمية ضخمة لأنها تُعبّر برأيها عن القوة الاقتصادية.
ويتحدث الكثير من الحكومات العربية عن التخطيط لإنجازات عملاقة في بلادها دون الإجابة على السؤال: ماذا يستفيد المستثمرون من إقامة مشاريع ضخمة في بلاد شغلها الشاغل الإستيراد وليس الإنتاج؟
السؤال الأساسي لأي مستثمر أجنبي: هل السوق المحلية والأسواق المجاورة والدخل الفردي يتيح تصريف إنتاج مشروعي الذي سيكلف مئات ملايين الدولارات؟
نسمع كثيرا المسؤولين في الدول العربية يقولون في مؤتمرات صحفية وندوات إقتصادية: نرحّب بأي استثمارات خارجية وسنقدم لها مايلزم من إعفاءات وتسهيلات..الخ!
بالمقابل لا نسمع هؤلاء المسؤولين يقولون لمواطنيهم: نرحب بمشاريعكم الصغيرة والمتناهية الصغر، وسنوفر لها أقصى مايمكن من تسهيلات!
وإذا صدف وقالوها فإنهم لايترجمون تصريحاتهم الإعلامية إلى أفعال لأن شغلهم الشاغل الإستثمارات الخارجية واستجرار القروض والمساعدات وليس الإستثمار في الإمكانات المتاحة والإعتماد على الكوادر البشرية الوطنية بمختلف اختصاصاتها وخبراتها العلمية والمهنية والحرفية.
وأمام هذا اللهاث المستمر والسباق المحموم وراء جذب الإستثمارات الضخمة كان من الطبيعي أن تهمل الحكومات العربية في خططها المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، على الرغم من تأكيد أساتذة الاقتصاد وخبراء التنمية أنها العمود الفقري لأي نمو إقتصادي.
وكان من الطبيعي أكثر فأكثر أن تتباهى الحكومات العربية بتأسيس الشركات الكبيرة والعملاقة وتهمل الشركات المتوسطة والصغيرة، ولا تعير أي اهتمام للمشاريع المتناهية الصغر، أي للمشاريع القادرة على تمكين عشرات آلاف الأسر من الإستغناء عن مساعدات وإعانات الدولة، واللهاث وراء وظيفة لايكفي راتبها لأكثر من بضعة أيام!
ومع أن الدراسات والبحوث متاحة بوفرة وتؤكد على دور الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر في تنشيط الاقتصاد الوطني، فإن الحكومات العربية مصرة على تجاهلها، على الرغم من وجود أمثلة في بلادها على مشاريع متناهية الصغر شقت منتجاتها الطريق بسرعة إلى الأسواق الخارجية!
والمثير في الأمر إن مامن حكومة عربية إلا وشاركت في مؤتمرات إقتصادية خارجية اطلعت خلالها على أهمية الشركات الصغيرة والمشاريع المتناهية الصغر في نمو الاقتصاد الوطني وتحقيق قفزات كبيرة في الإنتاج القابل للتصدير الذي يخلق فرص عمل هائلة لملايين الشباب..الخ، ومع ذلك فإن مامن حكومة عربية وضعت خططاً لتنمية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر فأنظارها متجهة دائمة على المشاريع الضخمة والعملاقة التي لم ولن تأتي إلى بلادها!
لو استعرضنا واقع الدول العربية لوجدنا في معظمها اعمالا صغيرة ومتناهية الصغر لأن المجتمعات العربية أدركت مبكرا أهمية هذه الأعمال في توليد الدخل المجزي لأسرها وبدل أن تطور الحكومات العربية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر فإنها أهملتها إهمالا شديدا إلى حد أن بعض المهن التراثية إنقرض، وما تبقّى منها في طريقه إلى الإنقراض باستثناء صناعات لايزال أصحابها وأربابها مصرين على مزاولتها!
ولا شك إن المهن اليدوية والكثير من الصناعات المحلية التي تتميز بها كل دولة عربية يُمكن من خلال تطويرها وتوسيعها خلق فرص عمل تمتص البطالة إلى جانب تصنيع منتجات قادرة على اختراق الأسواق الأجنبية لأنه لامنافس لها في تلك الأسواق.
وإذا مااقتنعت الحكومات العربية بأهمية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وأزالت من أمامها الصعوبات ووفرت لها التمويل والتسهيلات واعفتها من الرسوم والضرائب، وتساعدها على تسويق منتجاتها في الأسواق المحلية وتصديرها، لو فعلت كل ذلك وأكثر، فإنها ستزيد من دوران عجلات الإنتاج وتستغني عن المستوردات وتقلص فاتورة مدفوعاتها من القطع الأجنبي، والأهم أنها ستشتهر بمنتجات تنافس فيها دون منازع في الأسواق العالمية.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)