آخر الأخبار
الرئيسية » مختارات من الصحافة » سوريا وروسيا بعد الأسد… عودة إلى التقارب تحت ضغط السياسة والانفتاح

سوريا وروسيا بعد الأسد… عودة إلى التقارب تحت ضغط السياسة والانفتاح

 

عبدالله سليمان علي

 

يزور وفد عسكري سوري رفيع برئاسة رئيس هيئة الأركان العامة اللواء علي النعسان، موسكو حيث استقبله نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر. وتأتي هذه الزيارة بعد أسابيع قليلة من زيارة وفد روسي برئاسة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك لدمشق، ما يضعها في سياق تبادل متسارع للوفود يعكس رغبة الجانبين في إعادة ضبط العلاقة في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد. وإذا كان المشهد في ظاهره بروتوكولياً، فإن توقيته وسياقه يكشفان عن مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحاجات العسكرية المباشرة مع حسابات سياسية واقتصادية أوسع، في ظل انفتاح سوري متسارع على الغرب والعرب، بل وحتى على أوكرانيا، الخصم المباشر لروسيا. إنها زيارة تحمل طابع الاختبار الحقيقي للعلاقة بين الطرفين.

 

 

من الناحية العسكرية، تبدو الخطوة مفهومة. فالجيش السوري لا يزال يعتمد في معظمه على الأسلحة الروسية، من الدبابات إلى الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي. صيانة هذه الترسانة وتطويرها تفرضان استمرار خطوط التواصل مع موسكو، مهما كانت التوجهات السياسية الجديدة لدمشق. لا جيش بلا موسكو. كما أن تسريبات عن طلب سوري باستئناف الدوريات الروسية في الجنوب تؤشر إلى رغبة القيادة الجديدة في توظيف الوجود الروسي كأداة تهدئة أمام التصعيد الإسرائيلي، لا كقوة موازنة، وهو تحول يغيّر طبيعة الدور الروسي من شريك قتالي مباشر كما في عهد الأسد، إلى ضامن ميداني يسعى إلى ضبط الإيقاع الأمني. الرسالة واضحة: روسيا صمام أمان، لا أكثر. ولعل ما يعزز هذا البعد أن دمشق استقبلت في اليوم نفسه وفداً عسكرياً روسياً برئاسة اللواء البحري كورنبينكو أوليغ فيكتوروفيتش، حيث جرت مباحثات تقنية بشأن التدريب والمدفعية والدفاع الجوي. هذا التزامن بين لقاءات موسكو ودمشق يوضح أن التنسيق يجري على مستويين متوازيين: وفود سياسية – عسكرية رفيعة، وخبراء ميدانيون يتولون صيانة المنظومات وتدريب الطواقم.

 

لكن العلاقة لا تُختصر بالبعد العسكري. فدمشق التي تسعى في مجلس الأمن إلى إزالة التصنيفات الإرهابية عن الرئيس أحمد الشرع، والقيادات التي تعمل معه، تدرك أن الصوت الروسي يبقى مؤثراً في أي معادلة أممية، ما يجعل الحفاظ على قناة تواصل فعالة مع موسكو ضرورة سياسية بقدر ما هي عسكرية.

 

وفي البعد الاقتصادي، عاد إلى الواجهة ملف طباعة العملة السورية، إذ برغم توجه دمشق للاستعانة بمطابع في ألمانيا والإمارات، لا تزال تبقي خيار الطباعة في روسيا قائماً كاحتياط تقني ومالي. العامل الاقتصادي يفرض نفسه بواقعية لا يمكن تجاوزها. يضاف إلى ذلك ملف الديون الروسية الموروثة من عهد الأسد، والذي تحرص دمشق على استخدامه كورقة تفاوضية لإعادة الجدولة أو المقايضة، في إطار ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية.

 

موسكو من جانبها تسعى لتثبيت حضورها في طرطوس وحميميم كمرتكز استراتيجي في المتوسط، وتعرض في الوقت نفسه توسيع التعاون الاقتصادي والمشاركة في مشاريع طاقة وبنى تحتية. تصريحات وزير الطاقة ألكسندر نوفاك ووزير الخارجية سيرغي لافروف الأخيرة أوحت برغبة روسية في فتح صفحة جديدة “قائمة على الاحترام المتبادل”، بل إن موسكو لوّحت بلعب دور الوسيط مع إسرائيل، مستفيدة من قنواتها المفتوحة مع تل أبيب، ما يعكس محاولة لإعادة تعريف دورها في سوريا من موقع الشريك الحصري إلى موقع الوسيط والضامن. الصمت الإسرائيلي على هذا الطرح كان لافتاً بقدر الطرح نفسه، خصوصاً أنه تزامن مع توغلات جديدة نفذتها إسرائيل في القنيطرة، وهو ما يضاعف الحاجة السورية إلى مظلة ردع أو على الأقل إلى عنصر تهدئة توفره موسكو.

 

هذا كله يحدث بينما تختبر العلاقة تحدياً إضافياً مع استئناف دمشق علاقاتها الديبلوماسية مع كييف بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات. اللقاء بين الشرع ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك شكّل إعلاناً واضحاً أن سوريا لم تعد أسيرة محور واحد. بالنسبة لموسكو، كان الصمت هو الخيار، لكنه في حد ذاته رسالة واضحة: الحفاظ على الحد الأدنى من الشراكة مع دمشق يستدعي قبول خياراتها الخارجية، حتى إن تعارضت مع مصالحها المباشرة. مع ذلك، يرى محللون أن روسيا لن تبقى على الحياد طويلاً، وأنها قد تحاول تعطيل هذا الانفتاح كي لا تخسر موقعها التقليدي في الملف السوري.

 

في المحصلة، تكشف زيارة الوفد العسكري السوري لروسيا أن العلاقة بين دمشق وموسكو لم تعد تحالفاً كما في الماضي، ولا قطيعة كما بدا في مطلع العام، بل هي شراكة اضطرارية تمليها الحاجة إلى التسليح والصيانة، والحسابات السياسية المرتبطة بمجلس الأمن، والملفات الاقتصادية مثل طباعة العملة والديون.

على المدى البعيد، كلما تقدمت سوريا في مسار الانفتاح على الغرب والخليج وأوكرانيا، تراجعت أهمية روسيا كشريك اقتصادي وسياسي، وبات حضورها أقرب إلى ضرورة موقتة منه إلى خيار استراتيجي دائم. إنها شراكة اضطرار، لا تحالف خيار. وهي علاقة محكومة بالمصالح والظروف، لا بالعواطف أو التحالفات الأيديولوجية. موسكو تدرك أن زمن الهيمنة على القرار السوري قد انتهى، ودمشق تدرك أن الحفاظ على قناة روسية يضمن لها بعض الأوراق في ملفات حساسة، لكنه لا يعوّض عن شبكة علاقات جديدة تبنيها مع العالم. وما الزيارات المتبادلة سوى جزء من هذه المعادلة الانتقالية: تثبيت ما هو لازم الآن، وترك الأبواب مفتوحة لمستقبل قد يحمل معادلات مختلفة تماماً. ما يجمع الطرفين اليوم ليس الثقة، بل الحاجة.

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إعلام عبري: سفن بأسطول الصمود تقترب من سواحل غزة وإسرائيل تواصل استعداداتها من أجل اعتراضها ولن تسمح بدخول القطاع بأي حال من الأحوال

قالت هيئة البث العبرية، الثلاثاء، إن أكثر من 50 سفينة تابعة لأسطول الصمود العالمي اقتربت من سواحل قطاع غزة المحاصر، وإن إسرائيل تواصل استعداداتها من ...