تقول “نعم” خجلاً أو لعدم خذلان شخص أو مراعاة لشعوره أو لأسباب عديده كلّها لا تتعلّق براحتك، وتتعارض مع الـ”لا” التي بداخلك. رغم أنّ هذه الـ”لا” هي أكثر ما يريحك ويقيك مشاكل ومواقف صعبة ستدفعها في مقابل قول “نعم”، لكنك تجهل تأثير تطبيقها على حياتك! فقول “لا” الإيجابية ضرورة وليس خياراً، والـ”لا” للآخر هي الـ”نعم” لنفسك!
كتاب “فن قول لا” لدامون زاهارياديس، هو من أهم الكتب التي تناولت هذا المفهوم في إطار علم النفس الإيجابي. وبعض ما جاء فيه، أنّه “لن يحمي أحد وقتي أو يُحدّد أولويات احتياجاتي بحرص مثلي”، وأنّ “الاهتمام بالنفس ليس أنانية، بل ضرورة”. وبرأي الكاتب، إنّ “أكبر تحدٍّ تواجهه عند تعلّم قول لا، هو التغلّب على مشاعر الذنب والخوف والخجل التي تظهر عند خيبة أمل الناس”.
احمِ حدودك العاطفية!
الإنسان كائن اجتماعي ينتمي إلى المجموعة، وهي حاجة أساسية لديه فهو لا يمكنه العيش منعزلاً. لذلك، يسعى للحفاظ على هذا الانتماء، عبر القبول وإرضاء الآخرين لتعزيز حضوره من ضمن هذه المجموعة.
هذا ما يفسّر بالدرجة الأولى لماذا من الصعب على الناس قول “لا”، بحسب ما يشرح الدكتور ماريو عبود، المعالج النفسي والمستشار لدى منظمة “أطباء بلا حدود، في حديث الى “النهار”.
هذا السلوك نراه في المجتمعات المختلفة وينتشر بشكل لافت في مجتمعنا العربي، الذي يتميّز بالعاطفة والجماعة وغياب الفردانية، وبتعزيز دور العائلة والقيم والأعراف، خوفاً من العزلة الاجتماعية.
عندما نتحدث عن حدود شخصية، نتحدث عن مشاعرنا ومعنوياتنا وقيمتنا، فهي أساس شخصيتنا وما نرفضه لنفسنا وما نقبله لها. وحماية حدودنا هي حماية لكياننا وشخصيتنا، وتمنحنا القوة للمضيّ قدماً في حياتنا وقراراتنا من دون استغلالنا، بحسب عبود.
و”شخص بلا حدود خاصة به، لا كيان له”، يقول عبود ويشبّه الأمر، بما يجري بين الدول عندما تحاول دولة احتلال أراضي دولة أخرى والأخيرة تحمي وجودها بالدفاع عن حدودها. فكون الشخص متساهلاً ومتوفراً دائماً، يجعل الآخر ومحيطه يطمعون به ويستغلّونه.
الشخص الذي لا يقول “لا” عند اللزوم إرضاءً للآخرين، هو شخص غير مرتاح وغير سعيد من داخله ويتخبّط في صراع بين ما يحتاج إليه فعلاً وما يصرّح عنه للآخرين. وتفادياً لاستيائهم، يمضي حياته بناءً على ما يسعدهم لا ما يسعده وما يفيده هو.
الـ”لا” قوّة!
تكون الـ”لا” قوة عندما يضع الشخص الحدود الخاصة به في محيط مجتمعه وبيئته كيلا تستنزفه، فبمجرد تحديد أولوياته، يكون صنع القوة لنفسه، ولم ينجرّ للآخرين. بالتالي، يستطيع الشخص الحفاظ على طاقته النفسية والعاطفية وعلى صحته النفسية ورفاهه، ليتمكّن من صرفها في المكان الذي يريده ويحتاج إليه هو.
ويشرح أنّ “وضع الآخر وردود فعله وشعوره حيال قولي “لا” كأولوية، هو بمثابة تنازلٍ عن أمور لا أرضى بها وأقوم بها فقط كيلا يزعل مني، وكيلا أتلقّى منه ردة فعل غير حميدة. لكن خلال هذه العملية، لا أعي أنّني أخسر نفسي من أجله”.
كيف نوازن بين حماية حدودنا عبر قول “لا” ومراعاة شعور الآخر من هذه الـ”لا”؟
قول “لا” يجب أن يكون فعلاً تلقائياً، يؤكد عبود. فغياب الحدود التي يرسمها الشخص لمساحته تلغي كيانه وتلغي وجوده في نظر الآخر. عندما تكون شخصاً يقول “نعم” دائماً، سيجعل محيطك يطمع بك ويستغل هذا الجانب فيك، كما يورد. والناس بطبيعتها تحب دائماً سماع كلمة “نعم” وليس “لا”، وتسعى لأن تحظى بشخص من هذا النوع، فهم المستفيدون وليس أنت، لأنك تسمح لهم بأن يتجاوزوا حدود راحتك وقيمتك وعواطفك وطاقتك. وهذا السلوك يوقعك في صراع داخلي ويجعلك تشعر بأنك مُلغى أو مهمّش وقد يُدخلك في اكتئاب.
لذا، فإنّ “غياب هذا التوازن يتّخذ منحىً مرضيّاً، وإذا ما امتعض الشخص الآخر لأنني أضع الحدود له فهذه المشكلة مشكلته وليست مشكلتي”، يؤكد عبود. وإذا فكرت في مراعاة مشاعر هذا الشخص، فوراً فكّر في أنّه لم يراع مشاعرك أساساً ويفرض عليك شيئاً خارجاً عن طاقتك أو معتقداتك”.
والقاعدة الأساسية التي يجب أن يتمسّك بها الشخص لتغيير سلوكه نحو الـ”لا” الإيجابية، هي الحفاظ على راحته النفسية وطاقته وقدرته وقيمه. إن كانت كلها محميّة عند أيّ موقف، يمكنه أن يقول “نعم” وفي ما عدا ذلك لا بدّ من قول “لا”. إضافة إلى هذه العوامل، عليه أن يرى إذا ما كان العطاء الذي يقدّمه عطاءً متبادلاً وألّا يكون هو الطرف الذي يقول “نعم” دائماً على عكس الشخص الآخر. و”أن تقول “نعم” على كل شيء لا يعني أنك شخص طيّب، والأجدى بك أن تكون طيباً بحق نفسك أولاً”.
كيف نتعلم أن نقول “لا” بإيجابية؟
الأمر ليس بهذه السهولة، بحسب عبود، وخصوصاً أنّ سلوك التغيير هذا لن يلقى استحساناً من محيط الشخص المستفاد منه، وسيبدأون بجعله يشعر بتأنيب الضمير والذنب والتقصير، وهذا لن يكون بسبب عدم حصولهم على ما يريدون، بل بسبب تغيّر سلوك هذا الشخص حيالهم واستفادتهم المتواصلة التي ستتوقف.
لذلك، على الشخص ألّا ينجرّ إلى هذا النوع من الابتزاز العاطفي، وأن يعي وينوي بالدرجة الأولى تغيير سلوكه باقتناع بأنه يذهب إلى الأحسن. هنا، يجب أن يحدّد أولوياته من المهم إلى الأقل أهمّية لاتخاذ قرارات الـ”نعم” أم الـ”لا”.
بعض الاستراتيجيات التي تساعدك!
– “طريقة الساندويتش” بالاعتماد على وضع أمر سلبي بين أمرين إيجابيين، مثلاً أخبر الشخص مقابلك بشيء إيجابي، ثم قل “لا”، واختتم بكلمة إيجابية.
– فكّر لمعرفة سبب رفضك لأمر ما، فالتفكير في مشاعرك، والتعرّف إلى أنماطك السلوكية، يساعدك على الشعور بمزيد من الثقة عند قول لا.
– قل “لا” مع تقديم خيارات أو حلول بديلة.
– أضف سبباً مختصراً ليساعد الطرف الآخر على تقبّل الرفض، من دون اعتذار مفرِط كي لا تظهر بمظهر المذنب.
– إن لم تكن جاهزاً للجواب فوراً، أعطِ نفسك وقتاً، ولا تجب تحت ضغط السرعة أو الخجل. وبعدها، إذا أردت الرفض، قل لا بوضوح.
– قل “لا” بابتسامة وصوت هادئ لتصل الرسالة بلا توتر.
جُمل بديلة ولطيفة لقول “لا”!
– يبدو الأمر لطيفاً، لكنني غير متاح.
– يشرّفني أنك طلبت مني ذلك، لكنني لا أستطيع القيام به.
– أنا آسف، لكن لا يمكنني مساعدتك في هذا الوقت.
– للأسف، الوقت غير مناسب.
– لست متاحاً حالياً، لكن ربما في المرة القادمة.
– للأسف، هذا ليس شيئاً يمكنني القيام به الآن.
– آسف، لا يمكنني الحضور، ربما في وقت آخر.
– شكراً لتفكيرك بي، لكنني لا أستطيع.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار