نتيجة التحديات المتعددة التي تواجه القطاع الزراعي ظهرت الزراعة الشاقولية أو المائية كحل مبتكر للحفاظ على المساحات الزراعية المتناقصة بسبب البناء والعمران وتهدف إلى تحقيق التوازن بين متطلبات السكن والحفاظ على الأراضي الزراعية التي تشكل شريان الحياة للاقتصاد السوري والأمن الغذائي.
ويبين المهندس الزراعي منصور المسلماني أن هذه الزراعة والتي تعد وليدة في سورية جاءت كرد فعل على الزحف الإسمنتي المتسارع الذي التهم مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة خلال السنوات القليلة الماضية في زمن النظام البائد وقد أدى هذا التوسع العمراني الأفقي إلى الحد بشكل كبير من الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، مما هدد الأمن الغذائي في بلد كانت تعتمد عليه الزراعة كمصدر رئيسي للدخل القومي.
وأضاف: وشهدت خلال الفترة الماضية جميع المحافظات السورية توسعاً في الزراعة المائية الشاقولية على حساب الأبنية الأفقية وذلك بعد أن أصبح من الواضح أن استمرار التوسع الأفقي يعني فقدان المزيد من الأراضي الزراعية لذلك كان الحل هو زراعة المحاصيل عمودياً في طبقات مكدسة لاستغلال المساحة القصوى، ولفت إلى أن هذه الزراعة تحتاج إلى الرقابة في الإضاءة الاصطناعية وأنظمة التحكم في الظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة.
مساحة صغيرة
حيث تتم زراعة النباتات في أرفف أو أبراج مكدسة بعضها فوق بعض، مما يزيد من الإنتاجية في مساحة محدودة و يتم التحكم في جميع العوامل البيئية، مثل الإضاءة (غالبًا باستخدام مصابيح LED)، درجة الحرارة، الرطوبة، وتوفير المغذيات، لتحسين نمو النبات.
تكنولوجيا الزراعة المائية
وأشار مسلماني إلى أنه غالبًا ما تعتمد الزراعة العمودية على تقنيات من دون تربة مثل الزراعة المائية (حيث تُغمر جذور النباتات في محلول مائي مغذٍ) أو الزراعة الهوائية (حيث تُرش الجذور بمحلول غني بالمغذيات في بيئة ضبابية).
ولفت إلى أن هذا النوع من الزراعات يعد مثالياً للدول التي تعاني من نقص الأراضي الزراعية أو في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان وهي تتيح زراعة الغذاء على مدار العام بغض النظر عن الظروف المناخية الخارجية، وتعتمد على زراعة النبتات في أوانٍ أو أوعية لفية ومن ثم سقايتها بالماء ورغم كلفتها العالية مع بداية المشروع إلا أن إنتاجيتها عالية وتعطي أكثر من موسم
كفاءة استخدام الموارد
وتساهم في توفير كميات كبيرة من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية كما توفر محاصيل صحية وخالية من الآفات بما يضمن إنتاج محاصيل صحية وطازجة،
تحديات
وعن نجاح هذه الزراعة في سوريا يقول المهندس مسلماني أن هذه الزراعة نجحت في محافظة إدلب من خلال برامج تدريبية لتمكين النساء في منطقة إدلب من إنشاء مشاريع زراعية صغيرة ومستدامة تعتمد على تقنيات الزراعة المائية لإنتاج محاصيل متنوعة في مساحات محدودة، مما يعزز الاكتفاء الذاتي وريادة الأعمال. وتُعدُّ هذه المشاريع حلاً مبتكرًا لمواجهة نقص المساحات الزراعية وتحديات إنتاج الغذاء في المنطقة.
ولفت إلى أنها تقنية زراعية حديثة تعتمد على زراعة النباتات في محلول مغذٍ يحتوي على جميع العناصر الضرورية لنموها، بدلاً من استخدام التربة التقليدية. وعن ميزاتها فهي ساهمت في تمكين النساء في المناطق المهجرة من خلال مشاريع زراعية صغيرة يمكن تنفيذها من المنزل أو في مساحات صغيرة، وساعدت الأسر على تأمين احتياجاتها من الخضروات والمحاصيل المتنوعة إضافة إلى أنها تعتبر حلاً لمشكلة نقص المساحات الزراعية المتوفرة، خاصة في المناطق الحضرية.
وتسهم في استدامة بيئية من خلال تقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية وتحسين إدارة الموارد. كما أنها نجحت في محافظة ريف دمشق حيث لاقت تجربة الزراعة الشاقولية نجاحاً كبيراً فيها، و تم تطبيق أنظمة الأبنية الشاقولية ضمن توسعات المخططات التنظيمية الحديثة. وقد جاءت هذه السياسة بناءً على رغبة المزارعين ولاقى تنفيذها ارتياحاً كبيراً من شريحة واسعة من المواطنين. يمكن للزراعة الشاقولية أن تتكامل مع أنماط الزراعة الحديثة مثل الزراعة دون تربة التي بدأت تنتشر في بعض المناطق السورية مثل اللاذقية. هذه الطريقة توفر حتى 90% من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية ويمكن استثمار أسطح وحدائق المنازل فيها.
المهندسة الزراعية منى البكري بينت أن “الزراعة المائية” تحتاج إلى أنابيب بقطر ثلاثة أو أربعة إنشات بحسب المحصول الذي يرغب المزارع بزراعته، وتثبت الأنابيب على جدار فوق بعضها بمسافات تسمح للنبات بالنمو، وتثقب الأنابيب بفتحات بحجم الكؤوس التي ستوضع المزروعات داخلها لتضمن ثباتها، مع الأخذ بعين الاعتبار نوع المحصول المزروع لتباعد المسافات بين الكؤوس كالورقيات، أو قربها كنبات الفريز.
فرص للتطوير
وأضافت المهندسة أن الأنابيب توصل عبر خراطيم تضخ لها الماء “المفلتر” يضاف إليه محلول مغذٍّ موجود داخل البراميل، والذي تقوم المضخة بدورها بتفريغ الماء كل أربع ساعات، وإعادة ضخ الماء لضمان استفادة النبات من المحلول، بالإضافة إلى وجود مضخة أكسجين لتنفس النبات، وتُبدل المياه داخل البراميل كل أربعة أيام تقريبًا.
منوهة بأن هناك فرصاً لتطوير هذه التقنيات وتوسيع نطاقها لتشمل مساحات أكبر وزراعات متنوعة في المستقبل.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية